تخاطر دولة الأمن القومي بأرواحنا في محاولة لإطلاق سباق تسلح جديد وإحياء الحرب الباردة. وفي صلب هذا المسعى اندفاع لتطوير نظام مضاد للصواريخ، وهو نظام أطلق عليه معارضوه في البداية اسم حرب النجوم، ثم أصبح يعرف بأسماء متعددة، منها مبادرة الدفاع الاستراتيجي، إلى أن أطلق عليه حديثاً اسم الدفاع الصاروخي. وهذا النظام يدر أرباحاً طائلة على الشركات المتعاقدة في مجال الدفاع. ويقول خبراء الأسلحة الاستراتيجية إنه إذا بنى الروس مثل هذا النظام المضاد للصواريخ على حدودنا، فسوف نهاجمه وندمره، لأنه سيكون قادراً على تحييد رادعنا النووي. بكلمات أخرى، يخشى أن يكون هذا النظام عنصراً أساسياً في توجيه ضربة نووية أولى. ولكن هذا لا يمنع الولايات المتحدة من بناء مثل هذا النظام بالذات على حدود روسيا، واستكماله بمكونات تحملها سفن في البحار المحيطة بروسيا، وذلك بالرغم من علمها بأن الروس، والصينيين أيضاً، أعلنوا أنهم سيردون على ذلك بصنع المزيد من الأسلحة النووية. وهذا سيبطل مجمل منظومة الحد من التسلح، تماماً كما خططت لذلك المافيا النووية وهذا مصطلح استحدثه القائد الأمريكي السابق لقوات منطقة الهادي الأدميرال نويل غايلور لوصف الشركات المتعاقدة في مجال الأسلحة. ودولة أمننا القومي تدفع باتجاه سباق تسلح جديد يمكن أن تكون حصيلته عقود أسلحة بتكلفة تريليونات الدولارات على مدى سنين. وسبق لعالم الفلك والناشط المعارض للأسلحة النووية كارل ساغان أن قدر مرة أن الحرب الباردة السابقة كلفت أكثر من عشرة تريليونات دولار ما كان يكفي في حينه لشراء كل شيء في الولايات المتحدة الأمريكية باستثناء الأرض. والمافيا النووية تريد تسويق غواصات، وقاذفات استراتيجية، وصواريخ عابرة للقارات - وكلها تعود بأرباح خيالية. ولهذا يعمد القيمون على دولة الأمن القومي في السلطة التنفيذية وفي الكونغرس، بالنيابة عن رعايتهم المافيا النووية، إلى إثارة قلق الروس من خلال اجتذاب جمهوريات سوفييتية سابقة ودول كانت أعضاء في حلف وارسو السابق للانضمام إلى حلف الأطلسي، الذي سيصبح بذلك على حدودهم مباشرة. وللتذكير، فإن وزير الخارجية الأسبق جيمس بيكر كان قد وعد الروس بأننا لن نفعل ذلك. وإلى جانب هذا التعدي على الحدود، باشرت الولايات المتحدة إقامة نظام حرب نجوم جديد على حدود روسيا، في محاولة سافرة لإطلاق سباق تسلح جديد - علماً بأنه ليس هناك أي سبب واقعي لذلك. وأحد الأعذار الواهية التي أعلنت كان أن بناء نظام مضاد للصواريخ يهدف للدفاع بمواجهة الصواريخ الإيرانية. ولكن إيران ليس لديها صواريخ عابرة للقارات، ولا قنابل نووية، ما يعني أن هذا الكلام كان محض دعاية من أجل خداع الرأي العام الأمريكي. وهذه الأفعال العدوانية دفعت الروس إلى البدء في صنع أنظمة أسلحة من أجل الدفاع عن أنفسهم - تماماً كما خططت لذلك دولة الأمن القومي. والمافيا النووية تستغل ذلك كعذر لصنع أنظمة أسلحة، بالرغم من أن بإمكاننا وقف كل هذه العملية بمجرد امتناعنا عن صنع هذه الأسلحة، لأن الروس نزعوا الكثير من أسلحتهم عند انتهاء الحرب الباردة، وهم لا يريدون الآن إنفاق أموال على سباق تسلح جديد لا معنى له. وبهذا العمل المنحرف، حكومتنا تخوننا، وتعرض الناس في كل مكان للخطر. في أيام الحرب الباردة، أجريت مقابلة مع الأدميرال المتقاعد جين لاروك، في وقت كان لدى الولايات المتحدة 30 ألف رأس نووي حربي، وسألته عما إذا كان لدينا ما يكفي للدفاع عن أنفسنا. فنظر إليّ متحيراً، وأجاب: كيف يمكنك أن تدافع عمن لديه سلاح نووي؟. إن هذه القوات النووية الاستراتيجية لا صلة لها بالدفاع. وفكرة أن الروس هم تهديد للسلام العالمي سخيفة بحد ذاتها، فما بالك أن تأتي من دولة لديها 800 قاعدة عسكرية عبر العالم. روسيا لديها قاعدة واحدة في طرطوس (سوريا). وقد قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لصحيفة كورييري ديلا سيرا الإيطالية في مقابلة أجريت معه حديثاً: روسيا لا تنشر قدرات عسكرية هجومية خارج حدودها، وهي إنما ترد فقط على تهديدات أمنية نابعة من التوسع العسكري للولايات المتحدة وحلف الأطلسي حتى حدودها. وأضاف: فقط إنسان مريض أو حالم يمكن أن يتصور أن روسيا يمكن أن تشن هجوماً مباغتاً على حلف الأطلسي. والسبب وراء النزعة العدوانية الحالية تجاه روسيا والصين هو تفجير حرب باردة جديدة تطلق سباق تسلح مربحاً، مثل الحرب الباردة التي استمرت 50 سنة، والتي عادت بأرباح بلغت مليارات الدولارات على المافيا النووية، التي تتحكم فعلياً ببلدنا اليوم، والمستعدة للمغامرة بحرب نووية عالمية من أجل كسب أرباح بفضل سباق تسلح جديد. *صحفي أمريكي (موقع ريل كلير بوليتكس)