تغذي مظاهر الفوضى التي أعقبت الربيع العربي تصاعدا في أنشطة تهريب المخدرات والاسلحة والبشر في أنحاء منطقة البحر المتوسط بينما تجاهد القوى الاقليمية التي تعاني نقصا في الاموال لمواجهة هذه المشكلة. وفي الشهر الماضي رفض الزعماء الاوروبيون في بروكسل مناشدات أطلقتها بلدان جنوب أوروبا التي تعاني بالفعل من أزمة منطقة اليورو للحصول على مساندة اضافية لمواجهة العدد القياسي من المهاجرين الذين يحاولون العبور الى القارة في رحلات محفوفة بالمخاطر ينظمها مهربو البشر. وتقول الامم المتحدة ان أكثر من 32 ألف مهاجر من أفريقيا والشرق الاوسط وصلوا الى ايطاليا ومالطا هذا العام حتى الان. ومات أكثر من 550 شخصا في أكتوبر تشرين الاول وحده اذ تزيد عواصف الخريف من خطورة رحلات صعبة في زوارق صغيرة متهالكة. في الوقت نفسه تعزز الحرب الاهلية في سوريا والفوضى في ليبيا عمليات التهريب الضخمة للاسلحة ويستخدم مهربو المخدرات نفس الطرق لشحن حشيش شمال افريقيا وكوكايين أمريكا اللاتينية. ويقول مسعود كريمي بور ممثل مكتب الامم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة في شمال أفريقيا والشرق الاوسط لديك ظروف مواتية نموذجية.. الاموال والصراع وعدم الاستقرار والعرض والطلب غير المشروع.وأضاف قضية الهجرة هي التي تستحوذ على الاهتمام لكنها مجرد عرض واحد لمشكلة اقليمية أوسع بكثير. وتواجه القوى الاجنبية دعوات متزايدة للتدخل كما حدث حينما اضطر المجتمع الدولي لارسال سفن حربية الى المحيط الهندي لمواجهة هجمات القراصنة. وتحملت ايطاليا ومالطا الدولتان الاوروبيتان الاقرب الى ليبيا العبء الاكبر لازمة الهجرة وتقولان انه يجب على الدول الاوروبية أن تقدم المزيد من المساعدة ربما عبر وكالة الحدود الاوروبية /فرونتكس/ وان هناك حاجة ماسة لذلك. وبعد غرق أكثر من 400 مهاجر في حادثين جنوبي جزيرة لامبيدوزا الشهر الماضي قالت ايطاليا انها تنشر دوريات اضافية من الزوراق والطائرات والطائرات بدون طيار لتعقب المهاجرين الذين يقتربون من أراضيها وانقاذهم اذا ما دعت الحاجة. واستجابت القوات الامريكية للعديد من الدعوات لتقديم يد العون. ففي أكتوبر تشرين الاول ذكرت البحرية الامريكية أن سفينتها الحربية سان أنتونيو أنقذت 121 مهاجرا قرب مالطا بعد طلب من حكومة مالطا بينما ساعدت المدمرة جرافيلي سفينة مهاجرين أخرى كانت تواجه متاعب بين المياه اليونانية والايطالية. ومع ذلك لا تزال مثل هذه الترتيبات عرضية الى حد كبير. وما زال التعاون الدولي محدودا وحتى داخل الدول تعالج قضايا المخدرات والمهاجرين والاسلحة ومكافحة الارهاب بمعزل عن بعضها في الغالب. وقال مسؤول غربي طلب عدم نشر اسمه نظريا يفضل الجميع تبادل المعلومات لكن في الواقع الامر ليس عادة بهذه السهولة مقارنا ذلك بالجهود الاكثر تنسيقا بقيادة الولايات المتحدة لمكافحة التهريب في الكاريبي. وأضاف البحر المتوسط أكثر تعقيدا بكثير. ورغم أن أزمة الهجرة موثقة بشكل جيد نسبيا فان البيانات التي يمكن الاعتماد عليها بشأن التهريب والجريمة غير وافية. ويقول المتابعون للصراع السوري -ومن بين ذلك الاعداد المتزايدة من الفيديوهات التي تبث على الانترنت وتظهر بها أسلحة- ان التهريب من ليبيا الى سوريا أصبح أهم مصدر تقريبا لحصول المقاتلين على السلاح خلال العام الماضي. ورغم ان الساحل السوري لا يزال تحت سيطرة الحكومة الى حد كبير يعتقد أن الاسلحة تتسلل عن طريق المناطق الساحلية في لبنان وتركيا. ويتم هذا باستخدام سفن تجارية صغيرة وتجنب الموانيء الرئيسية والتحميل والتفريغ في مواقع نائية اعتاد المهربون استخدامها منذ قرون. ويعتقد أن هذه الشحنات يمولها أثرياء عرب في الغالب. ويزيد الطلب خاصة على البنادق الالية الثقيلة والصواريخ المضادة للدبابات الروسية الصنع. يقول هيو جريفيث الباحث في التهريب في معهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام ليبيا سوق مفتوحة الى حد كبير..لا توجد تراخيص لتصدير السلاح ولا جمارك فعلية وخط الساحل بعيد فعليا عن سيطرة الحكومة.وتابع هناك الكثير من الاماكن على طول الساحل بين تركيا ولبنان يمكن تفريغ السفن بها. وتظهر قاعدة بيانات التهريب البحري لمعهد ستوكهولم أن فرنسا وأسبانيا وايطاليا ضبطت خلال الستة أشهر الماضية خمس شحنات كبيرة من الحشيش المغربي على ظهر سفن صغيرة مسجلة في تنزانيا وسيراليون وجزر القمر. وتتراوح قيمة كل ضبطية بين 20 و40 مليون يورو. ويرجح جريفيث ان تكون مثل هذه المضبوطات مجرد رأس جبل الجليد.ومع انشغال قوات الرئيس السوري بشار الاسد في معركتها من أجل البقاء يقول كريمي بور ممثل مكتب الامم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة ان سوريا نفسها أصبحت ممرا رئيسيا للمخدرات الى باقي أنحاء الشرق الاوسط. وأضاف أن شحنات الكوكايين تخرج عادة من أمريكا اللاتينية قبل أن تمر عبر غرب أفريقيا. ويقول مكتب الامم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة ان السلطات المصرية تصادر كميات متزايدة من الاسلحة المهربة التي يعتقد أنها في طريقها الى المتشددين في شبه جزيرة سيناء.