شيكاغو: «الشرق الأوسط» بعدما كانت مدينة ديترويت رمزا لصناعة السيارات الأميركية في مطلع القرن العشرين، باتت الخميس أكبر مدينة أميركية تعلن إفلاسها، في آخر المحطات من تاريخ مدينة تحتضر ببطء. وهذه المدينة الصناعية الكبيرة الواقعة شمال الولايات المتحدة وكانت واجهة أميركا المزدهرة في خمسينات القرن الماضي، أصبحت اليوم شبه مهجورة، ناطحات السحاب في وسطها خالية ومصانعها مدمرة ومنازلها متروكة. وفي المدينة اليوم 78 ألف مبنى مقفر. وبحسب وكالة الصحافة الفرنسية أوضح حاكم ولاية ميتشيغان ريك سنايدر في بيان قائلا: «إنني أتخذ هذا القرار الصعب حتى يتمكن سكان ديترويت من الحصول على أبسط الخدمات العامة وحتى تنطلق ديترويت مجددا على أسس مالية متينة تتيح لها النمو في المستقبل». وقال إن «هذا هو الخيار الوحيد لمعالجة مشكلة تفاقمت بشكل متواصل في السنوات الستين الأخيرة». وكان كتب في وقت سابق في رسالة أرفقها بإشهار الإفلاس الذي قدمه إلى المحكمة أن «إعلان الإفلاس هو الحل الوحيد الذي سيسمح لديترويت بأن تستعيد الاستقرار وأن تصبح قابلة للاستمرار من جديد». وبلغ الدين الذي راكمته ديترويت مستوى هائلا يقدر حاليا بـ18.5 مليار دولار. وإزاء هذا المأزق حذرت البلدية الشهر الماضي من أنها ستضطر إلى التخلف عن سداد قسم من مستحقاتها. وبإقدامها على هذه الخطوة تصبح ديترويت أكبر مدينة في الولايات المتحدة تشهر إفلاسها. وأكدت المتحدثة باسم البيت الأبيض إيمي برونداج ردا على أسئلة وكالة الصحافة الفرنسية أن الرئيس باراك أوباما وأعضاء فريقه المقرب «يواصلون مراقبة الوضع في ديترويت عن كثب». وتابعت في بيان أنه «إذا كان القادة على الأرض في ميتشيغان ودائنو المدينة على يقين بأنه يترتب عليهم إيجاد حل لمشكلات ديترويت المالية الخطيرة، فإننا ملتزمون بمواصلة شراكتنا المتينة مع ديترويت فيما تعمل على النهوض مجددا وتحريك أوضاعها والحفاظ على مكانتها في طليعة المدن الأميركية». وترافق تراجع ديترويت الاقتصادي والمالي مع تقهقر اجتماعي يشهد عليه نزوح سكانها وقد خسرت نصفهم خلال ستين عاما. وانخفض عدد السكان من 1.8 مليون نسمة في 1950 إلى 700 ألف حاليا. ولم يعد بوسع البلدية تأمين الإنارة العامة في الشوارع فيما تستغرق الشرطة 58 دقيقة للوصول حين يتم استدعاؤها مقابل 11 دقيقة على المستوى الوطني. ولم يعد هناك في الخدمة سوى ثلث سيارات الإسعاف لغياب الموارد الكافية لصيانتها. ولم يكن معدل الجريمة مرتفعا من قبل كما هو اليوم. وكان ريك سنايدر لجأ إلى خبير هو كيفين أور لمحاولة الخروج من المأزق. ولخص هذا الخبير أسباب هذه الأزمة بعدد من النقاط منها «سوء الإدارة المالية والتراجع الديموغرافي واضمحلال القاعدة الضريبية خلال السنوات الـ45 الأخيرة». من جهتها، رحبت غرفة التجارة في ديترويت بإشهار الإفلاس معتبرة أنه «قرار شجاع». وأثارت خطة أور الذي دعا إلى التفاوض مع دائني المدينة، استياء صناديق التقاعد التي كانت تدين لها ديترويت بتسعة مليارات دولار، فباشرت مسعى قضائيا لمنع أي اقتطاع من معاشات التقاعد التي يتقاضاها مكتتبوها، غير أن هذا المسعى علق بسبب إشهار الإفلاس. وبعد إشهار الإفلاس سيترتب على أحد القضاة أن يبت في القضية ويعلن ما إذا كان بوسع ديترويت أن تحظى بحماية قانون الإفلاس الذي يتيح لها إعادة التفاوض في دينها. وحذر دوغراس بيرنشتين المحامي المتخصص في قضايا الإفلاس ردا على أسئلة وكالة الصحافة الفرنسية من أن «التحدي الأكبر هو أنه لم يكن هناك في التاريخ الكثير من البلديات التي أعلنت إفلاسها.. وبالتالي ليس لدينا خبرة كبيرة في هذا المجال». لكن بمعزل عن النواحي القانونية والمالية البحتة في هذه القضية، فإن إفلاس ديترويت يعكس انهيار قطاع صناعة السيارات الذي يشكل جزءا كبيرا وأساسيا من الصناعة الأميركية عرف ذروة ازدهاره في مطلع القرن الماضي. والمدينة هي مهد شركات السيارات الثلاث الكبرى «فورد» و«كرايسلر» و«جنرال موتورز»، وقد ارتبط مصيرها بمصير السيارات إلى حد أنها ألهمت حتى فرقا موسيقية مثل فرقة الروك «إم سي 5»، وهي الأحرف الأولى لـ«موتور سيتي 5» (مدينة السيارات)، وشركة إنتاج الموسيقى الشهيرة «موتاون» تصغيرا لـ«موتور تاون».