أقر البرلمان الألماني (بوندستاغ) أمس قانونا يهدف إلى تشديد إجراءات أمن تكنولوجيا المعلومات في المؤسسات المهمة، وسيلزم هذا القانون الجديد السلطات التابعة للحكومة الاتحادية باستيفاء نظم حواسيبها للحد الأدنى من متطلبات الحماية، التي وضعها المكتب الاتحادي لأمن تكنولوجيا المعلومات (بي إس آي). ADVERTISING ويأتي إقرار هذا القانون بعدما أعلنت وسائل إعلام ألمانية الثلاثاء الماضي أن الهجوم الإلكتروني الذي وقع ضد البرلمان خلال شهر مايو (أيار) الماضي، لا يزال يستهدف البيانات، وقد يجبر المسؤولين على إنفاق ملايين اليوروات لتغيير أنظمة الكومبيوتر بالكامل. وتزامن هذا الإعلان مع تصريح النيابة الفيدرالية الألمانية، أمس، بحفظ وغلق التحقيق حول تجسس هيئة الاستخبارات الوطنية الأميركية (إن إس إيه) المفترض لهاتف تابع للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. وكان ملف قضية التنصت على جوال ميركل قد تفجر على أثر معلومات قدمها بهذا الخصوص إدوارد سنودن، العميل السابق لدى وكالة الأمن القومي الأميركية سنة 2013، حينما كشف عن تجسس الوكالة على الملايين من بيانات المواطنين والمسؤولين في عدد من الدول، من بينها ألمانيا. لكن ألمانيا ليست حالة استثنائية، ذلك أن أوروبا أصبحت منذ مطلع 2014 ضحية تجسس وكالة ناسا الأميركية، وتكمن المشكلة في أن أوروبا تعتمد في اتصالاتها على خوادم أميركية وليست أوروبية، وهذا يعني أن جميع اتصالات دول أوروبا تخضع لمظلة وكالة ناسا، التي تستطيع التنصت والدخول على جميع اتصالات دول أوروبا والعالم أيضا، وقد انتبهت أوروبا إلى تهديدات أمنها القومي متأخرة، وهي تتدارس فيما بينها مسألة بناء خوادم أوروبية خاصة بها، وهذا قد يتطلب سنوات طويلة. وتعد ألمانيا واحدة من الدول التي خضعت لمراقبة وكالة ناسا بالتنسيق مع البريطانيين، حيث كشفت الاستخبارات الألمانية عن تورط سفارة بريطانيا في برلين خلال عام 2014 في نصب أجهزة اتصالات تنصت على مباني سفارتها في برلين، وقد دفع حجم هذه الفضائح برلين إلى إيفاد ممثلين من الاستخبارات الألمانية الخارجية «B N D» إلى واشنطن للوقوف على حقيقة فضائح التجسس، ومحاولتها بحثها قضائيا ضد واشنطن. وكانت قضية تجسس ناسا، التابعة لوكالة الأمن القومي الأميركية، على هاتف أنجيلا ميركل، قد أثارت ردود فعل كثيرة على مستوى الحكومة والإعلام. وحسب تصريح المؤرخ جوزيف فوشبوت مع صحيفة «دويتشه فيله» الألمانية، فإن الحكومة الاتحادية سمحت للحلفاء، مثلا، بحق القيام بعمليات استخبارية واسعة النطاق على الأراضي الألمانية، بالإضافة إلى حق التحكم في النظام البريدي، ونظام الهاتف في ألمانيا الغربية، وأضاف أن «هذه الاتفاقيات لا تزال سارية المفعول، وملزمة لجميع الحكومات الاتحادية المتوالية». وتعمل الدول الأوروبية على تشريع وتوقيع «اتفاقية حظر التجسس»، تتعهد فيها الأطراف المعنية بعدم تجسس بعضها على البعض، وسوف تعمل بريطانيا على إيجاد خوادم خاصة بها. وفي بيان للحكومة الألمانية فإنها أوفدت غيرهارد شيندلر، رئيس الاستخبارات الخارجية، ومسؤولا عن الاستخبارات الداخلية، ومنسق الاستخبارات الفيدرالية، إلى واشنطن «للوقوف على حقيقة عملية التجسس عبر القنوات الاستخبارية». وشهدت علاقات الولايات المتحدة وألمانيا الكثير من فضائح التجسس التي عصفت بمسؤولين في الاستخبارات في كلا البلدين، وربما كانت وراء إلغاء الكونغرس الأميركي العمل بـ«باتريوت آكت» مطلع شهر يونيو (حزيران) الحالي. لكن أنجيلا ميركل ودول الاتحاد الأوروبي تناستا خلافاتهما مع واشنطن، حيث وجهت خطابها ضد موسكو خلال قمة الدول السبع لتحشد جهودها ضد موسكو. فيما دعا أوباما خلال القمة إلى ضرورة مواجهة العدو الروسي في أوكرانيا. وقد يكون سبب إقرار البرلمان الألماني لهذا القرار هو وجود علاقة قوية بين ميركل وأوباما، خاصة خلال قمة الدول السبع التي انعقدت قبل أيام في قصر إلماو بولاية بافاريا. لكن رغم ذلك فإن ذلك لا يمنع واشنطن من استمرار التجسس على حليفتها، ولا يمكن تبرئتها من قضية اختراق منظومة معلومات البرلمان الألماني (البوندستاغ)، لا سيما أن أعضاء في البرلمان من المعارضين لميركل، وراء تسريب وثائق سرية خاصة بالتعاون الاستخباري بين واشنطن وبرلين.