اهتم الإسلام اهتماماً كبيراً بصناعة الإنسان باعتباره الصانع الحقيقي للحياة والمستخلف من قبل الله عز وجل بالبناء والتنمية وتعمير الكون، فقد تحمل الإنسان أمانة الإعمار والتعمير والبناء من دون الخلائق كلها، كما قال ربنا سبحانه: إنّا عرضنا الأمانة على السّماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنّه كان ظلوماً جهولاً. وتتلخص جوانب المهام الكبرى الواجبة على الإنسان في عبادة الله سبحانه لقول الله تعالى: وما خلقت الجنّ والإنس إلا ليعبدون، ثم في إعمار الأرض لقوله تعالى: اعبدوا اللّه ما لكم مّن إله غيره هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها. ولكي يؤدي الإنسان هذه المهام الكبرى يسر الله سبحانه له الطريق إلى ذلك، فسخر له ما في السموات والأرض، والتسخير معناه: جعلها في متناول يده ونطاق عقله وقدرته، كما أمده بالقدرات الجسمية والعقلية والنفسية والقيم الدافعة التي تمكنه من أداء هذه المهام. وبالنظر في مؤشرات التنمية البشرية التي أقرتها الأمم المتحدة نجد أن الإسلام سبق في تحديدها وزاد عليها مؤشرات ترتبط بالجوانب النفسية والاجتماعية، وبهذه المؤشرات يتم بناء الإنسان وتنمية شخصيته وقدراته، ومن هذه المؤشرات ما يلي: - التعليم، فالعلم نور يكشف به الإنسان طريقه في الحياة ويتعرف به إلى الكون وما فيه من كائنات لاستخدامها في تسيير الحياة وتحقيق التقدم والرقي، وبه ينمو العقل الإنساني وتتطور الحياة إلى الأفضل، فبالعلم تنتج التكنولوجيا التي تعرف بأنها استخدام نتائج البحث العلمي في تطوير الإنتاج. والعلم في المفهوم الإسلامي كل إدراك يفيد الإنسان توفيقاً في القيام بمهامه الكبرى في الحياة، وبذلك فإن العلم في نظر الإسلام يشمل العلوم الدينية والعلوم الحياتية. وهنا تكفي الإشارة إلى مكانة العلماء وطلاب العلم في الإسلام، حيث يقول ربنا عز وجل: يرفع اللّه الّذين آمنوا منكم والّذين أوتوا العلم درجات، ويقول صلّى اللّه عليه وسلم: من خرج في طلب العلم كان في سبيل اللّه حتّى يرجع. - الصحة: وهي المؤشر الثاني من مؤشرات التنمية البشرية، والمحافظة على صحة الإنسان تتحقق بأساليب، منها: التغذية السليمة والمنتظمة ولذلك حرم الله تعالى الإسراف في الطعام والشراب فقال سبحانه: يا بني آدم خذوا زينتكم عند كلّ مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنّه لا يحبّ المسرفين. والصحة الوقائية تتحقق بالنظافة، ولذلك كان الوضوء والغسل من فروض الإسلام، كما تتحقق بالبعد عن مسببات الأمراض مثل الأطعمة والمشروبات المحرمة كالميتة والخنزير والمسكرات وغيرها مما هو ضار ومتلف لصحة الإنسان. وتتحقق الصحة أيضاً بالعلاج من الأمراض عن طريق التداوي، والرسول صلّى الله عليه وسلّم يقول: تداووا عباد الله، فإن الل عزّ وجلّ لم ينزّل داء، إلا أنزل معه شفاء، إلا الموت، والهرم. وتتحقق الصحة كذلك بممارسة الرياضة المفيدة، وقد اهتم الإسلام بالإنسان روحاً وبدناً، فوفر للروح حاجتها وأسباب سعادتها، وفي الوقت ذاته لم يهمل البدن وعوامل قوامه وقوته..ومن مشهور كلام النبي صلى الله عليه وسلم:المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير.ومن هنا يأتي دور الرياضة كوسيلة فعالة لتقوية الجسم، فهي بهذا مطلب شرعي. وتتحقق تنمية الإنسان وزيادة قدراته من المشاركة المجتمعية الإيجابية داخل الأسرة عن طريق صلة الرحم والعلاقة الجيدة مع الجيران في السكن والعمل والأقارب بالإحسان إليهم، وعلى مستوى المجتمع بالمشاركة في العمل العام سياسياً واجتماعياً والاهتمام بأمور المسلمين، وهذه كلها سلوكيات أمر بها الإسلام في نصوص عديدة منها قوله تعالى: واعبدوا اللّه ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصّاحب بالجنب وابن السّبيل وما ملكت أيمانكم إنّ اللّه لا يحبّ من كان مختالاً فخوراً. كما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم من لم يهتمّ بأمر المسلمين فليس منهم، ومن لم يصبح ويمس ناصحاً للّه ولرسوله ولكتابه ولإمامه ولعامّة المسلمين فليس منهم. أيضاً يتحسن وضع الإنسان وترقى حياته بتوفر دخل مناسب له من خلال الكسب الحلال لمواجهة نفقات المعيشة، ولذا حث الإسلام على السعي لكسب الرزق، فقال الله تعالى: هو الّذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رّزقه وإليه النّشور. كما حث على أن يكون للإنسان حرفة، فلقد ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم قوله: إنّ اللّه يحبّ المؤمن المحترف. ومن هنا رفض الإسلام البطالة ودان سلوك من يتقاعس عن العمل والإنتاج وقال الفقهاء: البطالة حتّى لو كانت للتّفرّغ للعبادة، مع القدرة على العمل، والحاجة إلى الكسب لقوته وقوت من يعوله تكون حراماً. ✽أستاذ الاقتصاد الإسلامي بجامعة الأزهر د. محمد عبد الحليم عمر