تقول العرب: «أحيا من ضب»، أو «أعمر من ضب»، وهو مثل يُضرب في طول العمر. وذُكِرَ الضب لأنه يعيش في ظروف صعبة غير مؤهلة للعيش فيها لفترات طويلة، ومع هذا قد يصل عمر الضب إلى 60 سنة وسط أجواء تتراوح حرارتها ما بين 36-38 درجة مئوية، وأما في داخل الجحر فقد تصل إلى 41 درجة مئوية، أو أكثر، كما أنه لا يشرب الماء إلا نادراً. منذ أسبوعين تقريباً، وتحديداً في 30 مايو، أعلنت السلطات الهندية عن مقتل أكثر من 2000 شخص نتيجة ارتفاع درجات الحرارة الشديدة، التي ضربت الهند منذ أسابيع. وتعتبر هذه الموجة من أسوأ الموجات من حيث عدد القتلى في تاريخ العالم، وقبلها شهدت مقتل 2541 شخصاً في عام 1998 م، نتيجة ارتفاع درجات الحرارة، وهو أعلى رقم يُسجل في تاريخ الهند. وفي مثل هذه الأجواء يتحتَّم على أرباب العمل إيقاف بعض الأعمال، التي يتم مزاولتها في الخارج، ويكون الشخص فيها عُرضة لأشعة الشمس. عمال البلديات والمقاولين والشركات، يفتقدون بعضاً من حقوقهم، التي تنص عليها قوانين مكاتب العمل، ووزارة الصحة في مثل هذه الأوقات؛ مثل: منح العمالة أوقاتاً متقطعة للراحة، وتوفير الكميات المطلوبة من الماء لهم، بالإضافة إلى توفير مستلزمات الإسعافات الأولية لعلاج حالات الإجهاد الحراري، التي قد تصل إلى الموت، كما حصل في الهند. ولعدم توفير هذه الاحتياجات في هذه الأجواء، يرتاد العمال المساجد، والجوامع المجاورة لاستخدام دورات المياه، والبرادات، والمسجد للنوم والاسترخاء، وذلك بسبب تقصير صاحب العمل، الذي كان من المفترض أن يوفر لهم خدمات مثل خدمات المسجد تماماً، ولاشك أن الضرر المتعدي أشد من الضرر القاصر، فالناس في كل عام تتأذى من أوضاع العمالة في مثل هذه الأوقات لما فيها من أذيةٍ للمصلين، واستغلالٍ لبيوت الله عز وجل في غير ما أسست له، وهنا يأتي دور الأوقاف في التنبيه والإرشاد، والتركيز على المساجد التي تعاني من مثل هذه الحالات، وفي كل منطقة مساجد مشهورة يُشار إليها بالبنان لكثرة العمالة التي تتردَّد عليها. ومن ناحية أخرى هناك وعي ملحوظ من الأفراد، وكثيرٍ من الشركات والمؤسسات حيال هذه القضية سواء بتوفير المشروبات اللازمة، أو أماكن الراحة والإسعافات، بالإضافة إلى التوجيهات والإرشادات المستمرة، إلا أن بعض القطاعات والشركات، كما أسلفت، مازالت لا ترى في الأمر ما يستدعي أخذ الحيطة والحذر، ولعل واجب وزارة العمل ومكاتبها، يحتم عليها تنظيم جولات ميدانية في أوقات الذروة لإيقاف أي عمل غير عاجل، أو طارئ، يتم القيام به، ولا يمنع من مخالفة مَنْ تتكرر في حقه المخالفة، كونها مخالفة صريحة لتعليمات مكتب العمل، والإنسانية بشكل عام. وعوداً على خبر موجة الحرارة التي اجتاحت الهند مؤخراً، وما نتج عنها من إحصاءات مروِّعة، فإن المعدل المتوسط لدرجة الحرارة كان 45 درجة مئوية، ومع هذا راح ضحيتها الآلاف، وفي كثيرٍ من مناطق المملكة يصل متوسط درجة الحرارة إلى 50 درجة مئوية، وهذا أمر رهيب، يدعو إلى وقفةٍ صادقة، واستشعارٍ للمعاناة في هذا الفصل.. أليس من الواجب أن نكون أكثر إنسانية مع هؤلاء البشر؟!