لا شك أن موقع مدائن صالح يعد أحد أهم المواقع الأثرية التي تمتلكها المملكة العربية السعودية؛ وهو موقع فريد أثريًا ومعماريًا؛ وقد أكسبته البيئة المحيطة به مهابة الماضي وعظمته؛ ولكن لا بد من لفت الانتباه إلى الرموز الدينية ودلالاتها بالموقع.. فهي في نظري من أهم عناصر المكان؛ ومن أسباب جماله وأهميته. ومن الرموز المنتشرة بالموقع طائر النسر المنحوت فوق مداخل المقابر المنحوتة بالصخر، وبالموقع عثر على مجموعة كبيرة من المحاريب بأشكال مختلفة.. والحديث عن أسلوب نحت المقابر يأخذنا إلى بداية عمل المقبرة من لحظة اختيار المكان المناسب لنحت المقبرة، حيث يتم اختبار نوع الصخرة وجودتها؛ بعدها يقوم النحاتون بحفر كامل تجويف المقبرة المطلوبة بحسب المقاسات الموضوعة من قبل المهندس المعماري؛ وبعد انتهاء عمل النحاتين يبدأ الفنان والنحات الرئيسي في إخراج واجهة المقبرة وزخارفها المنحوتة وببراعة غريبة تشعر معها أن هؤلاء القدماء استطاعوا تطويع الصخر الصلد لإخراج هذه النماذج الفنية الرائعة. ويشرح لنا الأثري مطلق المطلق عملية النحت بطريقة جميلة وبأسلوب رائع، وقد عرفت أن النحت يتدرج إلى أسفل الجبل، ثم يُنحت تجويف المقبرة من الداخل، والمدافن التي تشتمل عليها، واشتهر الأنباط بمهارتهم في هندسة الآبار ونظم تعميقها وتخزين المياه بها، وعُثر في مدائن صالح على نحو مائة وخمسين مترا محفورة في الصخر وخزانات لتجميع المياه. ومن المواقع التي تترك في النفس تأثيرًا رائعًا من جمال الموقع، سواء المقبرة وطرازها، أو وجودها في حضن الجبل، واجهة مدفن في منطقة الخريمات، وقد شاهدت أيضًا واجهات للمدافن غير مكتملة النحت، وهي منحوتة نحتًا بارزًا، ومرتفعة عن سطح الأرض، تعلوها شرفات مدرجة أسفلها كورنيش، وعلى جانبي الواجهة نحت لعمودين يحيط تيجانهما إطار بارز، أما النقوش فمنها مكتوب صاحب المقبرة وإخوته، وأدعية مثل: «ومن سلام إلى أبد الآبدين» و«يلعن ذو الشرى (إله الأنباط) كل من يبيع هذه المقبرة أو يشتريها أو يرهنها..». ومن أهم الأماكن التي يجب زيارتها بمدائن صالح المنشآت الدينية، وتشمل كل مكان مخصص للتجمعات الدينية، وكذلك المعابد، التي أنشأها أهل مدائن صالح لمعبوداتهم الوثنية، و«قصر العجوز» الذي يقع إلى الجنوب من جبل إثلب، وهو معبد أو مركز للكهنة، وكذلك منطقة المحاريب، والتي تتركز في جنوب المنطقة الدينية، وتعد من السمات الدينية الشائعة والمميزة لحضارة الأنباط، وفيها رموز لمعبوداتهم الوثنية المتعددة، وقد حفرت تلك المحاريب في الصخور بأحجام وأشكال مختلفة، وتتكون في إطارها العام من تجاويف يتقدم كل منها عمودان يحملان قوسا نصف دائري، ويتوسط كل محراب أو يعلوه نحت بارز أو أكثر، يرمز إلى معبوداتهم الوثنية، وقد يكون المحراب فارغًا وخاليًا من الرموز، وقد عرفنا من خلال النقوش النصية في مدائن صالح أن الموقع كان يتم حجزه وربما شراؤه من قبل ملاك المدافن.. وكان النحاتون يستخدمون إلى جانب أدوات الحفر والنحت أدوات قياس، شملت مقياس الخط العمود والمربع والحبل والفرجار.. في بداية المكان مركز للزوار، وطرق للوصول على مستوى مناسب للموقع، ولوحات إرشادية... وتركت الموقع وأحسست أن لعنة النبطيين حدثت لنا مثل لعنة الفراعنة، فقد تأخرت الطائرة تسع ساعات لوجود عاصفة ترابية بالرياض.. وكل هذا يعطي طعما خاصا للآثار.