قال الملحن والموزع اللبناني جون ماري رياشي، إنه لا يحب السياسة، أو الحديث حول كواليسها، لكنه أشار إلى أننا كعرب - رغم كل ما يحدث - علينا أن نواصل مشاريع إبداع وإنتاج موسيقى جيدة، مضيفاً لا يعني أننا في حال عدم استقرار على أكثر من صعيد أن نتوقف عن التعاطي مع الموسيقى، لأن بديل غياب الموسيقى (الإزعاج)، أو بالأحرى الموات. وأشار رياشي الذي غنى من ألحانه العديد من المطربين اللبنانيين والعرب، منهم ماجدة الرومي ولطيفة وأصالة وأليسا ويارا وغيرهم، إلى أن سبب وجوده في الإمارات خلال المرحلة الماضية هو ارتباطه بإنتاج مشروع غنائي ضخم بعنوان أرضي.. أغنيتي، تتعاون فيه شركة سوني ميوزيك، مع لاند روفر، من أجل إنتاج عدد من الأغاني التي تعكس الصبغة الخاصة للبلدان والمدن العربية، من خلال تجربة جديدة تكون فيها الأصوات الطبيعية عنصراً فعالاً في الموسيقى. وأضاف في حوار لـالإمارات اليوم: قمنا بزيارة خمسة بلاد مختلفة، وفي كل بلد قصدنا أحد الأماكن الشهيرة فيها، وسجلنا أصواتاً حية، وتم إدخالها في سياق موسيقى الأغنية التي اخترنا لها اسم (صحارى العرب). شغف غربي قال الدي جي السعودي عمر باسعد الذي قام بإجراء الـري ميكس لأغنية صحارى العرب، إن هناك شغفاً غربياً بالأغاني الشرقية الآن أكثر من أي وقت مضى في أوروبا وأميركا. وأضاف باسعد لـالإمارات اليوم: رغم أن الأجيال الجديدة في الوطن العربي تميل للأغاني الغربية، إلا أن هناك اهتماماً ملحوظاً بالأغاني العربية والموسيقى الشرقية، ومن خلال العديد من الحفلات التي قمت بإحيائها في إسبانيا والمملكة المتحدة وأميركا، فإن هناك اطلاعاً على ما يتم إنتاجه في البلدان العربية، خصوصاً في ما يتعلق بالأغنية المصرية. ورأى باسعد أن هناك ضعفاً في الثقافة الموسيقية عربياً بسبب عدم وجود اتجاه يغذي الذائقة الموسيقية والطربية لدى المستمع، مضيفاً في الكثير من الإذاعات العربية المهتمة بالموسيقى نجد إشكالية في الاختيار، وتكراراً غير مبرر في المحتوى، كما أنه ليس هناك اهتمام كبير بالـ(دي جي) عربياً بخلاف الأهمية الكبيرة التي بات يلعبها في الحفلات المباشرة غربياً. وحول تجربته في صحارى العرب أشار باسعد إلى أنه كان مثيراً جداً أن نقوم بتسجيل أصوات طبيعية في البدان التي ذهبنا إليها، مضيفاً التوازن بين اللحن الموسيقي والأصوات الطبيعية مثل طرق النحاس، وأصوات الإبل، وحركة الجموع تحت سفح الهرم، وغيرها، هو إحدى الجماليات الموسيقية في هذا المشروع الفريد. ورأى رياشي أن آفة التقليد التي التصقت بالأعمال التشكيلية، وجعلت اللوحة المبدعة متوافرة، ربما بآلاف النسخ المزورة، شوهت نتاج كثيرين من المبدعين والمجددين في الموسيقى العربية، مشيراً إلى أن التجارب غير التقليدية والفريدة هي التي يكتب لها البقاء رغم ذلك بشكل أطول، وتبقى في سياق مهم ضمن المكتبة الموسيقية العربية عموماً. أصوات طبيعية وعن تفاصيل صحارى العرب أوضح الملحن اللبناني البداية كانت من جبال ووديان صحراء سلطنة عمان، ثم سوق الذهب في دبي، وصولاً إلى سفح أهرامات الجيزة في مصر، مروراً بالمملكة العربية السعودية وما تشتهر به من حياة البادية التي يبقى فيها الجمل ذا خصوصية، لتكون المحطة الأخيرة مغارة عجيبة في لبنان، وهي جميعها محطات تم الاستعانة بالأصوات الطبيعية التي تصدر من حركة الناس لتكون في سياق الأغنية التي كتبت كلماتها السعودية سما، ويقوم بإنتاج فيلم وثائقي عن مراحل تصويرها ضمن مشروع (أرضي.. أغنيتي) المخرجان علي مصطفى وأحمد عبدالقادر، بحيث تتفاعل شخصية المكان مع هوية العمل الموسيقي. ولفت رياشي إلى أن فكرة إنتاج عمل بهذه الشروط الإبداعية ذات دافع تثقيفي وجمالي في المقام الأول، موضحاً هذه النوعية من المشاريع التي لا تستهدف الربح المادي المباشر من خلال سياق إنتاجي أصبحت نادرة، على الرغم من استمرارية وجودها، وفي رأيي فإننا يمكن أن نفرق في علاقة المال بالفن بين سياقين: فن من أجل المال، وهذا للأسف هو الأكثر سيادة، ومال يتم تسخيره من أجل إنتاج فني مرموق، وهذا النوع النادر هو ما يضيف، ويبقى بمثابة مشروع فني وحضاري يستحق أن يجد كل الدعم من الجميع، وإلى هذه النوعية ينتمي مشروع أرضي.. أغنيتي . ميراث عالمي رياشي الذي تميل الكثير من ألحانه إلى الطابع الغربي رفض فكرة الفصل الجامد بين الموسيقى الشرقية من جهة والغربية من جهة أخرى، مضيفاً أسعى في المشروع الجديد إلى تقديم الآلات الشرقية، خصوصاً الناي والعود بطريقة مختلفة، وأيضاً التجديد في توظيف الآلات الغربية، فالآلات الموسيقية عموماً ملك للعالم، وهذا ما سنلاحظه بأن هناك حالة تماهٍ وتعاطٍ مع الموسيقى المرتبطة بالآخر بنسب متفاوتة، سواء كان الأمر يتعلق بالموسيقى الشرقية أو الغربية، فهي لغة عالمية، لكن الأمر أيضاً يتوقف على كيفية تقديمها وفق شروط احترافية وإبداعية تستثمر ثراءها. ورد رياشي حالة تردي الذوق الموسيقي والطربي عموماً في جانب منه إلى اللجوء إلى الإنتاج الرخيص، مضيفاً الهبوط الجماعي في المنتج الموسيقي سببه (الاسترخاص) في الإنتاج، فعلى عكس ما يعتقد البعض فإن جودة العملية الإنتاجية لا يمكن أن تتم بعيداً عن تلبية الشروط الاحترافية، وهو أمر لا يرتبط فقط بالإبداع، بل أيضاً بالإمكانات المادية، لأن رداءة الآلات والتنفيذ ستنعكس بالضرورة على المنتج، وبعض الفنانين الذين يقبلون بإنتاج موسيقي دون المستوى، هم في الحقيقة يحددون المستوى الفني الذي ستقف عنده أعمالهم بهذا الاختيار. واشار رياشي إلى أن المخرج الإماراتي علي مصطفى قد تولى إنتاج الفيلم الوثائقي أرضي.. أغنيتي، مع المخرج الإماراتي أحمد عبدالقادر، لتويثق القصة وراء الأصوات التي سجلت طوال الرحلة، مشيراً إلى أنه مع مسؤولية إحياء هذا المشروع بصرياً، فقد تتبع مصطفى فريق العمل من مدينة إلى أخرى لتوثيق عملية الإبداع الموسيقي كاملة. مسؤولية الإعلام رد رياشي كثيراً من مسؤولية شيوع موسيقى هابطة ومسفة إلى وسائل الإعلام، مضيفاً: الآلة الإعلامية يعود للمنتمين إليها قرار التغاضي عن الهابط، ومن ثم تقلصه وتلاشيه، أو بثه، ما يعطيه فرصة للانتشار، وأعتقد أنه في حال كان القرار بعدم إعطاء مساحة لـ(الموسيقى البلاستيكية) أن تسود، سيكون الأمر كذلك. ورأى رياشي أن الموسيقى لغة عالمية، لذلك تستطيع كل ثقافة أن تعبر عن ملامحها وجماليتها عبر الموسيقى التي ستجد دوماً اهتماماً من الآخر، في حال حسن تقديمها.