تناقُض المشائخ الحركيين وتبدُّل مواقفهم ورقصهم على الحبال أصبح سمة لهذا التيار لا تنفك عنهم، فأحاديث النهار تمحوها تغريدات المساء، وما يقولونه في غمرة حماس منابرهم يتراجعون عنه بمجرد أن تسلط الأضواء عليهم، بل وينكرونه وكأنهم يتعاملون مع الناس بعقلية أزمنة الحمام الزاجل حيث لا كاميرا ولا «يوتيوب» ولا شبكات تواصل اجتماعي ترصد سكناتهم وحركاتهم. قضية التحريض على القتال في سوريا التي فتحها الأستاذ داوود الشريان في برنامجه الثامنة، أربكت مجاميع بؤر الإسلام السياسي في البلد، وخلطت أوراقهم وفتحت ملفات كانت مغلقة، أو بالأحرى مركونة على الرف، وتداعت رموز تلك البؤر إلى انتفاضة جماعية يتبرأون فيها مما كانوا يقولونه ويفتون به لعوام الناس، ويتنصلون من الخطب الرنانة والحماسية التحريضية، ومنهم أحد الوعاظ الذي شارك مع بني قومه في إعلان (النفير العام) في مؤتمر بالقاهرة ثم جاء بعد حلقة الثامنة ليتنصل من كل ذلك، وكأن الناس تعيش بلا ذاكرة أو لا تحسن العربية ولاتفهم دلالات الألفاظ الشرعية، فالكل يدرك أن مفردة (النفير العام) تعني التعبئة العامة للقتال، ولا يمكن أن تعلن النفير العام وتستثني منه السعوديين، لأنه حينها لا يكون نفيراً عاماً وإنما يكون نفيراً مشروطاً، وبدل أن يعتذر لأمهات المغرر بهم؛ يأتي بكل صفاقة ليبرر موقفه وينكر أنه كان مساهماً في التغرير بشبابنا ورميهم في معارك لا ناقة لنا فيها ولا جمل، ويبدو أننا في المستقبل سنحتاج مع كل خطبة إلى (كتالوج) يشرح فيه الخطيب مضامين خطبته حتى لا يأتي لنا بعد فترة ليتنصل منها. ذلك الواعظ في مداخلة له في قناة «دليل» طرح تساؤلاً منطقياً جداً، وهو أنه إن كانت خطبه تحرِّض الشباب وتدفعهم إلى الذهاب إلى سوريا؛ فكيف للدولة أن تبقيه خطيباً رسمياً وأستاذاً جامعياً؟ وهذا التساؤل يثير تساؤلاً أكبر منه حول غياب الطرف الثالث في هذا العراك، وهي الأجهزة المطلوب منها تطبيق النظام، فإذا كان الذهاب إلى سوريا مخالفة قانونية فمن غير المنطقي أن تعاقب شاباً نفر إلى سوريا للقتال بعد أن استمع إلى خطبة (النفير العام)، وتترك الخطيب الذي ألقاها ومن ثم حزم حقائبه إلى لندن، فأبسط قواعد العدالة أن يكون الناس سواسية أمام النص الجنائي لا فرق في ذلك بين شيخ وغيره.