كلما حدّقتُ به.. اقتربتُ منه أكثر.. ورأيتُ في كثيرٍ من تفاصيلهِ بعضاً من القواسم المشتركةِ التي من شأنِها أن تجمعنا به لنُشكّل فصيلاً واحداً.. آمنتُ إذن بأنها ليست سوى علاقةٍ حميميّةٍ ذات ثنائيّةٍ تدفعُ بنا إلى اتجاهٍ ذي مسارٍ واحدٍ يُمكنه أن يأخذ بنا نحو فراغٍ شرطاهُ: السّحقُ والألم.. فأيّ قيمةٍ إذ ذاك لوجودٍ يكون العدمُ وجهَه الآخر؟! شهوةُ الذّعرِ -يأيها الفأر وشبيهه- ورعشتُها هي التي تُسأل عن: تناسلكم فلا تلبث الأرض من أن تتسع تالياً لتكون: مختبراً كبيراً تُصاغُ في أقبيتهِ نظرية: العبودية المختارة حيث بدءُ تجربةٍ بشعةٍ تنتهي بكم/بنا إلى حلْبة قطٍّ سمينٍ شديدِ القسوة حاد البصر.. وكأنه لم يُخلق إلا من أجل أن يسومكم سوء العذاب.. في لعبةٍ تتأرجحُ ما بين المخلب المسنون وبين قطعة جبنٍ مسمومة.. إذ يجترحُ لكم باستبداديّةٍ مطلقةٍ مصيراً/ مصيدةً يتّحدُ فيها الوجعان: عبءُ الحياة والتوقُ للموت.. بينما القطُّ متى ما شاء أكل الجبنَ الطريَّ وقد اتخذ سجادة باذخة يقضي عليها حاجته..! ثم تأخذه نبوةُ نومٍ لا يُحب أن يستيقظ منها. يا أيّها الفأر المجلَّلُ بالعار والمدَّثّر بأسمالٍ من الخيبة متى آخر مرةٍ رأيتَ فيها وجهك في المرآة الصدئة؟! لعلّك أن تعرفَ مَن تكون؟!عبثاً حاول أن تبحثَ عن بقايا وجهٍ ضاعت ملامحه أشلاءً/ مِزقاً تحت سحق أقدامٍ تدكُّ المستقبلَ وفق قانون: الإسفلت الذي لا يرحم أحداً! يالدهشةِ هذه القسوةِ غير المبرّرة تلك التي تأبى إلا أن تغتال كلّ وميضٍ يمنعنا من أن نحْلَم ولو بعد حين.!! قال أحمد شوقي: فأْرٌ رأَى القِطَّ على الجِدارِ مُعَذَّباً في أَضيَقِ الحِصار والكلبُ في حالتهِ المعهودة مستجمعاً للوثبة الموعودة فحاولَ الفأرُ اغتنامَ الفرصة وقال أكفي القطَّ هذي الغصَّة لعلّه يكتبُ بالأمانِ لي ولأَصحابي من الجيران فسارَ للكلبِ على يديهِ ومَكَّنَ الترابَ من عينَيه فاشتغل الرّاعي عن الجدار ونزلَ القطُّ على بدار مبتهجاً يفكر في وليمة وفي فريسة لها كريمة يجعلها لِخَطْبِه علامة يذكرُها فيذكرُ السَّلامة فجاءَ ذاكَ الفأرُ في الأثناءِ وقال: عاشَ القِطُّ في هَناءِ رأَيتَ في الشِّدّة من إخلاصِي ما كان منها سببَ الخلاص وقد أتيتُ أطلبُ الأمانا فامنُنْ به لِمعشَري إحسانا فقال: حقّاً هذه كرامَة غنيمةٌ وقبلَها سَلامة يكفيكَ فخراً يا كريمُ الشِّمة أَنك فأرُ الخطْبِ والوليمة وانقَضَّ في الحالِ على الضَّعيفِ يأكلُه بالمِلحِ والرغيف فقلت في المقام قوْلاً شاعا مَنْ حفِظَ الأَعداءَ يوماً ضاعا نقلا عن الشرق