×
محافظة المنطقة الشرقية

إنريكي يرفض تأكيد استمراره مع برشلونة

صورة الخبر

في واحدة من أهم الأوراق البحثية التي تضمنها كتاب "معايشات الحرية" الذي ابتدأت عرضه قبل اسبوعين، يطرح روبرت يونغ سؤالاً وجدته – وأظن الكثيرين سيجدونه – غريباً، وذلك في مفتتح كلامه: هل نملك الحق في المقاومة؟ إنه سؤال أساسي سيظن البعض أن جوابه بدهي، لكن تحليل يونغ للسؤال وما ينطوي عليه من تضاعيف سيدعونا إلى التأمل بل وإطالة التأمل. قبل طرح ملاحظاته ذات الطابع الاستجوابي حول مسألة المقاومة يشير يونغ، وهو أستاذ كرسي الأدب الإنجليزي والمقارن بجامعة نيويورك وأحد أهم نقاد التيار المابعد كولونيالي، إلى أن سؤال المقاومة قلما طرح في الدراسات المابعد كولونيالية، أي الدراسات التي تناولت أداب وثقافات الشعوب التي قاومت الاستعمار وتخلصت منه. ويشير على سبيل الاستثناء إلى الدراسة الشهيرة لباربرا هارلو في كتابها "أدب المقاومة" (1989) الذي تناولت فيه آداب بعض الشعوب التي قاومت محتلاً مثل الأدب الفلسطيني وبعض الآداب الإفريقية. ويرى يونغ أن الدراسات مابعد الكلونيالية انطلقت من مفهوم المقاومة وكأنه أوضح من أن يناقش، فهو منطلق للبحث لا موضوعاً له. لكن يونغ يزعزع تلك القناعة بالتساؤل: هل كل أنواع المقاومة مقبول؟ ماذا عن مقاومة التحضر؟ أو مقاومة المحافظين للتغيير؟ ماذا عن المقاومة التي يبديها التشدد والانغلاق تجاه التسامح والانفتاح؟ يطرح يونغ هذه الأسئلة في سياق أمثلة يستحضرها من الثقافتين الهندية والإفريقية، مشيراً على سبيل المثال إلى أدبيات حزب جانيتا الهندي الذي يرى أن الأقلية المسلمة في الهند تضطهد الأكثرية الهندوسية وينتج لذلك أدباً يعده أدب مقاومة. هل تنطبق المقاومة على تلك الأدبيات مثلما تنطبق مثلاً على أعمال للكاتب الكيني نغويي وا ثيونغو في موقفه تجاه الاحتلال البريطاني لبلاده؟ هل الخطاب الذي يتبناه موغابي في زيمبابوي والذي يقاوم ما يعده سيطرة رأسمالية غربية على بلاده لتثبيت حكمه الدكتاتوري خطاب مقاوم بنفس المعنى الذي نصف به خطابات لشعوب خاضت حروب استقلال طويلة؟ الأمثلة كثيرة ومن شأنها مجتمعة على الأقل أن تزعزع القناعة السهلة وغير الممحصة بأن المقاومة مفهوم مناسب أو صفة مشروعة لوصف كل أدب أو خطاب ثقافي يقاوم شيئاً أو أحداً. غير أن يونغ يؤكد أن هدفه ليس الدخول في جدال حول مشروعية هذه المقاومة أو تلك وإنما هدفه طرح سؤال أكثر جذرية حول طبيعة المقاومة أو ماهيتها. وفي هذا الإطار يطرح السؤال التالي: "هل لدينا حق طبيعي في المقاومة، وإن كان الأمر كذلك أين تقع أسس ذلك الحق، ثم ماهي القضيا السياسية التي تنبع منه"؟ ثم يعقّد الأمر أكثر حين يقول إنه سيتجاوز السؤال الفلسفي والأكثر جذرية وهو هل لدينا الحق في أن تكون لنا حقوق، السؤال الذي ناقشه بعض الباحثين ويريد بدلاً عن التوقف عنده أن يتبنى رأي الفيلسوفة الألمانية حنة أرنت التي تنطلق من القناعة المبدئية في أن لنا الحق أن تكون لنا حقوق لينطلق من تلك القناعة بوصفها معطىً ليس هذا مكان مناقشته. ويستدعي هذا سؤالا حول المقاومة هو: في أي نوع من الحقوق يكمن إذاً حق المقاومة؟ على أي أساس ينهض حقنا في المقاومة؟ وهل ذلك الحق واحد من حقوق الإنسان؟ وهل يشمل ذلك الحق الفرد أم الجماعة أم هما معاً على قدم المساواة؟ من الحقوق التي يفترض الغرب أنها حق إنساني أساسي، حسب يونغ، حق الحرية، أن يكون الإنسان حراً. لكن يونغ يستجوب هذه الفرضية ويعقدها حين يشير إلى المفارقات المتضمنة في الدعوات إلى الحرية التي أطلقت في بعض الدساتير والشعارات الوطنية الأوروبية والأمريكية. ففي بريطانيا الإمبراطورية كان النشيد الوطني يقول: "أحكمي يا بريطانيا" Rule Britannia متضمناً أن البريطانيين لا يمكن أن يستعبدهم أحد. لكن منشدي ذلك الشعار لم يخطر ببالهم أن للشعوب التي تستعمرها بريطانيا نفس الحق في ألا يحكمهم أحد سواء بريطانيا أو غيرها. وكذلك هو الحال في الإعلان الأمريكي عن الاستقلال فهو يؤكد أن الحرية حق لا مساومة فيه للإنسان الأمريكي، لكن واضع الإعلان لم يخطر بباله وضع الأمريكيين الأفارقة المستعبدين لفترات طويلة من التاريخ الأمريكي. فللمقاومة، كما للحرية، تحيزاتها أيضاً: هي حق مشروع لنا ولكنها ليست كذلك لغيرنا، ومن باب أولى ليست لأعدائنا! إننا لو افترضنا أن المقاومة حق طبيعي للإنسان، كما سيقول الكثيرون، فهل يعني هذا أن جميع وسائل المقاومة مشروعة؟ وهل المقاومة مستوى واحد ونوع واحد؟ هل تجوز المقاومة السياسية أو المدنية في ظروف وتمتنع في ظروف أخرى لتحل محلها مقاومة مسلحة؟ إن المقاومة، كما يؤكد كاتب الورقة، مفهوم ملتبس لأنه يتضمن عدة احتمالات: يتضمن السلم والحرب، السياسة والعنف، مقاومة تخوضها الجماعات المسلحة وأخرى تخوضها مؤسسات المجتمع المدني. ويخلص من ذلك إلى القول بأن المجتمعات تعترف فقط بأشكال محددة من المقاومة، وترفض المتطرف منها. وفي هذا الصدد يذكّر الكاتب بأشكال العنف التي عاشتها أوروبا نتيجة لتمرد بعض الجماعات المطالبة بحقوق أو الساعية لزعزعة أنظمة سياسية واقتصادية تحت شعار المقاومة. ومثال ذلك منظمة "الألوية الحمراء" في إيطاليا التي مارست ما اعتبره المجتمع إرهاباً ورأته هي مقاومة. الفيلسوف الفرنسي سارتر كان من الفلاسفة القليلين الذين نظرو في أخلاقيات المقاومة وذلك نتيجة للزعزعة الأمنية أو ما يشبه الحرب الأهلية التي شهدتها فرنسا في أوائل السبعينات من القرن الماضي. وكانت النقطة الأساسية لديه أن أي مقاومة عنيفة يجب أن تنبع من المجتمع المضطهد بأكمله. غير أن ذلك، كما يرى يونغ، يجب أن ينسحب على الأقليات أيضاً ضمن مجتمع تشتعل فيه حرب مذاهب أو جماعات أو تقع فيه الأقليات تحت اضطهاد الأكثرية. في تاريخ المقاومات المختلفة للاستعمار من آيرلندا إلى سريلانكا توزعت المقاومة في فرعين رئيسين، أحدهما المقاومة العنيفة والآخر السلمية. هذان النوعان يستعرض روبرت يونغ نماذج منهما في سياق الطرح النظري وما ينطوي عليه من أسئلة سبقت الإشارة إليها. ذلك وغيره ما ستتناوله المقالة القادمة من هذه السلسلة بإذن الله.