×
محافظة المدينة المنورة

صك مزور يقود وزير سابق إلى القضاء

صورة الخبر

«نحن أعرق ديموقراطية في المنطقة» كان هذا كلام رئيس مجلس الأمة يوم الأربعاء الماضي. وقناعتي الشخصية أننا بالكويت نمتلك نظاماً سياسياً أفضل من بقية الدول سواءً المحيطة بنا أو تلك البعيدة بعض الشيء عنا كلبنان الذي يُضرب به المثل. نحن أفضل لأن الدستور وُضع ليُوازن بين أمور عدة مستمدة من واقعنا التراثي والثقافي. فالدستور متوازن ووقف في منطقة الوسط بين ثلاثة أمور محددة: بين المركزية والديموقراطية الكاملة والدينية (الثيولوجية). فالواضح أن الدستور وازن بين هذه الأمور الثلاثة فأصبح متناغماً ومنسجماً مع فكر المجتمع الكويتي. لكن كلمة رئيس المجلس مرزوق الغانم فيها مبالغة لأن الدستور وحده لا يكفي، فالمطلوب تشريعات صحيحة من جانب، وتنفيذ صحيح من جانب آخر. فنحن في الكويت نعاني من بعض التشريعات المخالفة والمتضاربة للدستور، كما أن عدم تنفيذ كم هائل من هذه التشريعات ومواد الدستور بالشكل الصحيح أصبح ظاهرة مقبولة جداً في المجتمع. فالفوضى المنتشرة في المجتمع مردها إلى عبثية السلطة التنفيذية في انتقاء وتطبيق القوانين وازدواجية المعايير إلى حد القرف. جانب آخر في نقد هذه المقولة هو استهتار المشرعين بالنظام الدستوري. ففي كل جلسة تظهر تصرفات صبيانية من بعض المشرعين وكأنهم في دواوينهم الخاصة وليسوا في بيت الشعب. تصرفاتهم واستخفافهم بالموقع الدستوري الذي يشغلونه مؤشر بارز على أن الديموقراطية ليست مواد دستورية فحسب، بل هي ممارسات ووقائع ميدانية عملية لهذه المواد ابتداءً من تصرفات المشرعين وانتهاءً بالقوانين التي تصدر عنهم. لكن مع الأسف تصرفات مجالس السلطة التشريعية دون المستوى الديموقراطي المؤثر، مما يصعب معه أن نصدق ونقتنع بكلام الرئيس الغانم. أحيل سبب خفة بعض النواب وسطحية تفكيرهم إلى أنهم لم يفهموا فكرياً وأخلاقياً معنى الحُكم والسلطة ومصطلحاتهما، وبشكل خاص يفتقرون لمعنى الحرية. ففي نقاش يوم الأربعاء الماضي تحدث الكثير منهم عن الحرية عند مناقشة مكافحة الجرائم الإلكترونية. فأحدهم قال لا يجوز حجر الرأي، والثاني قال بضرورة محاسبة الرأي، ويذهب فريق ثالث كالنائب حمود الحمدان إلى عدم جواز الاستهزاء بالدين وبالرسول وقدسية الإسلام ورأيه حول هذه المحاسبات. والسؤال المهم: ما هي الحرية؟ وما حدودها وأبعادها؟ ومن أين تنطلق؟ وهل يمكن عد قانون الوحدة الوطنية تقييداً للحرية؟، وهل قانون الصحافة مثلاً يعتبر مقيداً للحرية أم خادماً لها؟ فالواجب أولاً أن تُعرّف ويُتفق على هذا الإطار المقيد، وأظن هنا أن من يحدد ذلك الدستور، ويجب على المحكمة الدستورية أن تتدخل لتفصل في المسألة. لكن كتعليق عام، لم نستمع إلى أي نائب يتحفنا برأي فلسفي أو فكري أو أخلاقي أو حتى قانوني رزين ومهم ليجعل النقاش في مقام رفيع ويحصره في إطار وحدود معينة. كل ما سمعناه مجرد كلام عابر بسيط وسطحي، والأبسط منه أن بعضهم يضرب المثل بأوروبا وأميركا، ويريدنا أن نفعل كما يفعلون. فلا يجوز مقارنة التفاح بالبرتقال. عندنا دستور وعلينا أن ننطلق منه، لا مجرد كلام مرسل بلا أسانيد ودلائل موضوعية، فذريعة أوروبا وأميركا لوحدها لا تكفي. إجمالاً يجب أن يمتثل أولئك النواب إلى التربية الدستورية في قاعة عبدالله السالم، وأن يفهموا حقيقة الأسلوب الدستوري في النقاش، وعليهم أن يستوعبوا جيداً هذه الخُلق الدستوري المؤدب قبل أن يُصدّروا لنا تشريعاتهم. لأننا بصراحة ننظر لهم على قاعدة «باب النجار مخلع»! hasabba@gmail.com