ظَهَرَ اليَتيم عَلَى سَطح الكُرَة الأرضيّة؛ وهو لا يَملك إلَّا أبجديّة لَفظيّة، لا تُسمن ولا تُغني مِن جوع، هَكذا تَكون العَلاقة بَين بيَاض الوَرقة وسَوَاد الحِبر، إنَّنا فَاشِلون في الانتسَاب إلَى الأَلِف، فمَتَى نَنتَهي مِن نسبَتنا إلَى اليَاء؟! يَأتي الخَائِف مِن الخيبَة، مُنتسبًا إلَى مَن ينْفِيه، يَنتظر فَاجئةً، يَتناثر مُعتَقدًا أنَّ كُلّ مُستقيم معْوَجّ، مُتِّخذًا مِن أصَابعه فَأسًا يَحفر بِهِ أنحَاء مَفَاصله، يَكتب مُعتَبِرًا ذَاته الحَرْف الأوّل، والآخَر الكَلام الأقصَى، يُرتِّب أيَّامه عَلى تَفاصيل آخر الأشيَاء، كُلَّما أوضَح زَاد غمُوضًا، أَلَم يَقُل سَلفه الفِقهي: «مِن الفَاضِحَات تَوضيح الوَاضِحَات»! هَكذا هو اليَتيم، يَمحو وَجهه في أي غَابَة، يَزرع خطوَاته في الأشلاء البَاقية، ليُمرِّر أحلام الجَسَد، ونتوءَات المُستَقبل، الجَرح في نَاظريْه يَتحوّل إلَى أبوَين، والسُّؤال يُصبح فَضاءً، ويَضيع هو بَين الجَسَد والجَرْح..! الوَرقَة غَاية تَكتبها الحرُوف، وتَرويها الفَوَاصِل، سَألَ الخَائِف نَفسه: مَا الذي يَجمعني الآن بهَذا البيَاض، ومَاذا سَأقول؟! احتوَتْنَا الرِّيَاح، وجَمَعَتْنَا الأصُول والمَسَافَات، فكَسَرْنَا سَوَاد اللَّيل، وجِئْنَا مِثل أرض تَحنُّ إلَى المَاء، جِئْنَا مِثل رَعدٍ تَدثّر بالغَيم والسَّحَاب، لَمسنا رَعشَة البدَاية، فأدركنَا بَلاغة الوصُول إلَى آخر المَسَافة، التي تَفصل بَين الخُرَافة وسَرَاب الرِّمَال، إنَّنا الآن نَتهجّى وَجَع الرّجوع، نَذرع الطَّريق، رَافعين عبَارة «انتَهينَا.. انتَهينَا»..! قَال صَديقي لَحظة تَأمُّل: أجمَل مَا تَكون عِندَما تُخلْخل المَدَى، وتَستَرجع الصَّدَى، مُتيقِّنًا أنَّ لكُلِّ امرئٍ مِن دَهره مَا تَعوّدا، قَال ذَلك، وسَكَتَ عَن أشيَاءٍ أُخرَى، لَم يَكن يَحمل أكثَر مِن فُرْصَة رماديّة، لاحت مِن شقُوق الزَّمَان، واحتبَاسَات المَكَان، ظَنّ أنَّه وُلد للتّو ورَنَا إلَى الأُفق، وعشق أنينٍ قَديم، تَذكّر موّال عَتيق لأدونيس يَقول: بَعْدَ أَنْ يَسْتَسْلِمَ الدَّرْبُ لَنَا تَرِثُ الرِّيحُ الْغُبَارَ الْمُخْمَلِي وَتَقُولُ الأَرْضُ عَنْ أَشْلاَئِهَا هَذِهِ أُغْنِيَّتِي رُدَّتْ إِليْ! بَعد هَديل قَليل، دَفَعَ بالتي هي أفعَل، وألبَس وَجهه الكَلِمَات، وانطَفَأ في ظَلام الذِّكريَات، لَم يُفكِّر في الوَقت، ظَنّ السَّاعة صَوتًا، رَاصِدًا مَا تَبقّى مِن صَهيل الأُمنيَات، رَشف المَسَافة بشَيء مِن تَعب النّبض، وعَادَ يَلوذ بشَظَايا الخطوَات، التي لَيس فِيها إلَّا وَعثَاء السَّفر، وكَآبة المَشهد، بَعد أن طَالت الخطوَات، نَظَرَ إلَى السَّراب نَظرةً عَابرة، ورَدّد في هَمسٍ بُرتقالي قَائلاً: هَاتِ لِي عُمْرِي فَاجْعَلْهُ طَائِرًا فِي الأَرْضِ يَنْتَقِلُ أَنَا يَوْمُ الْبُعْدِ أُغْنِيَةٌ تَأْخُذُ الدُّنْيَا وَتَرْتَحِلُ! حَسنًا.. مَاذا بَقي؟! بَقي القَول: أعتَرف أنَّ هَذا استعرَاضٌ لُغوي، كَتبته إلَى أُولَئك الذين يُطالبونني بالعَودة إلَى الكِتَابَة الإبدَاعيّة، ذَات المُفرَدة الرَّاقية المُنقَّبة بنقَاب الغموض..!! تويتر: Arfaj1 Arfaj555@yahoo.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (20) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain