في مثل هذه الأيام من كلّ عام يصفرّ لون جدّة وتتيبّس أناملها، وترتعد فرائصُها فَرَقاً، وتتلبّسُها حالٌ من الوجل، خشيةً من أذى يأتي عليها بسبب من المطر. ثمّ إذا ما اطمأنت إلى أنّ أهلها قد أخذوا مضاجعهم فناموا؛ رفعت إلى الله أكفّ ضراعتها تبتلاً فسألت ربّها: إلهي.. اللهمّ إن كنت قد قدّرت في شتائنا هذا مطراً فلا تجعل لـ:جدّة منه أدنى حظٍّ ولا نصيب.. واحبسه عنها إلى أمدٍ ليس بالقريب.. حتى لا يبكي الحبيبُ على الجبيب.. ذلك أنّي قد يئست من الجور والتّطفيف.. فلا بِنيةَ تحتيّة ولا تصريف.. فما لنا غير اللجوء إليك يا لطيف.. ولئن تُجدِب الأرض.. وليس للناس سكنٌ ولا قرض.. أحبّ إليهم من الهدمِ والغرق.. فأينَ مّنا التقيُّ ومَن سرَق.. وأيّنا الذي للقانون قد خرَق؟! جدة إذن، هي وحدها المدينة التي غلبت خشيتها للمطر حُبّها له؛ فلم يُكن بُدٌّ من أن تكون استثناءً في: صلاة الاستسقاء إذ يُشرع في حقّها ما يُعرف بدعاء (الاستصحاء) لا صلاتها، إذ لم يثبت في شأن: الاستصحاء سنة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا صلاة ولا خطبة، وإنما هو الدعاء وحسب. وفي صحيح البخاري: باب الدعاء إذ تقطّعت السبل من كثرة المطر، وباب الدعاء إذا كثر المطر: حوالينا ولا علينا، وقال الإمام ابن بطال المالكي رحمه الله في شرحه لصحيح البخاري: فيه الدعاء إلى الله في الاستصحاء كما يُدعى في الاستسقاء؛ لأن كل ذلك بلاء يُفزع إلى الله في كشفه، وقد سمى الله كثرة المطر أذى فقال: (إن كان بكم أذى من مطر)، ولا يحول الرداء في الاستصحاء إذ لا بروز فيه ولا صلاة تفرد له، وإنما يكون الدعاء في الاستصحاء في خطبة الجمعة أو في أوقات الصلوات وأدبارها. اطمئني جدّةَ، فالشرع لم يكن غفلاً عمّا تحتاجين إليه، وإن لم يكن مناصٌ من: الأذى فإنّ غريقك شهيد. يا أهل جدة لا تسبّوا: المطر، ذلك أنّه سبٌ يتجه على الحقيقة لِمُنزِله، وإن كان أحدكم سابا لا محالة جراء ما أصابه، فليتوجّه سبّه إلى من كان بسببه كانت الرحمة في: المطر نقمة وخراباً، وعسى أن تكرهوا شيئاً من: المطر ويجعل الله فيه خيراً كثيراً يُعفي: نزاهةً من مسؤولية الاشتغال المضني على اكتشاف الفساد والوصول تاليا بسلامةٍ - إلى أهله! نقلا عن مكة