نتوسع كثيرا في مجالسنا الثقافية وعلى صفحات الإعلام والقنوات الفضائيات في تناول سلبيات العمل في وزارات الدولة الخدمية، يقودنا في ذلك -في الغالب الأعم- حب المصلحة العامة وضرورة الحرص على تنفيذ حاجيات المتطلبات اليومية للمواطن بسهولة وكرامة، دون امتهان ولا ابتذال. ولقد سبق أن كتبت في هذا الشأن الهام جدا بتوسع، وتناولته من عدة زوايا تؤدي في المحصلة إلى بلوغ المرام والاستحواذ على قصب الرضا لدى عامة الناس، على اختلاف أطيافهم وتعدد مشاربهم. وحديث اليوم ما هو إلا تعزيز في هذا الاتجاه وتأصيل للمبادئ التي نصول ونجول على بلوغ مرامها، ومن أبرز ما دعوت إليه سابقا وهو أمر سأظل أؤكد عليه.. ضرورة استحداث هيئة تعني فقط بالنظر في المظالم التي تتعلق بالعمل داخل الوزارات الخدمية، وهو أمر أجزم بأنه سيكون كافيا لتعرية التجاوزات المالية والتحرشات الإدارية داخل كيان الوزارة المعنية. واليوم ومن باب تعدد مناهل الخيار لصانع القرار، أطرح رؤية اجتماعية ذات منظور متعدد الجوانب، تكون مهامه في المجمل العمل جنبا إلى جنب مع وزارة الدولة المعنية بصيغة رقابية متعددة الطبقات، مما يضمن الرقابة الذاتية على كيان العمل المجتمعي، الذي يكرس جهده للتقييم العادل والمقنن من خلال أدوات النظام، الذي يجب أن تكون صبغته علمية وفنية دقيقة، تحت رقابة وخضوع للشرع الحنيف؛ ليكسب هيبة الشرع والقانون في آن واحد. وبناء عليه تكون العضوية لمن يشهد لهم بالسمت والعدالة من خلال إمارة المنطقة، مع أسبقية التمكن من أحد بحور العلوم أو جوانب المعرفة، ولا يشترط فيها التأهيل الأكاديمي الذي حجب عنا طاقات وطنية نحن في أحوج ما نكون لها، واختيار إمارة المنطقة للعدول من المجتمع في ما نراه -وهو أمر قد يستغربه البعض- أمر في غاية السهولة، فالناس شهداء الله على خلقه، والأمه ما اجتمعت على ضلالة، وكما قالها شاعر الحكمة زهير بن أبي سلمى: وَمَهما تَكُن عِندَ اِمرِئٍ مِن خَليقَةٍ وَإِن خالَها تَخفى عَلى الناسِ تُعلَمِ وهو أمر بديهي يجب ألا يغيب عن أنظار صناع القرار في مملكتنا الحبيبة، فالإنسان هو من يرسم خطه البياني بنفسه، فهذا كريم وذاك لئيم وفلان عفيف حصيف وغيره مرتش كسيف وهكذا. وهذا المخزون المعرفي المجتمعي يجب أن يوظف لصالح المجتمع في هذا العهد الحزمي الزاهر، لحمايته من أشباح الشياطين ومن شابههم وهم قلة ولله الحمد، ونحن في مرحلة قبول مثالية في أيامنا هذه لاستيعاب مثل هذا الفكر الذي سيأتي بخير كثير على الوطن والمواطن، فالنظر إلى الأوضاع القاتمة ينبئ بما يمكن أن تكون عليه الأوضاع في حالة وجود المراقبة المجتمعية، أما غياب المشهد المجتمعي (العمل الجماعي) عن ساحة قرار المجتمع وتولي الأمر في شؤون الصحة والتعليم والطرق وغيرها من خدمات أساسية إلى مسؤول واحد له القرار في كل شيء في مصلحته أو مؤسسته من تخطيط وتنفيذ وطرح وجمع وقسمة وأي قسمة وضرب! وياله من ضرب فهو أمر آن له أن يكون ماضيا قد ذهب بذهاب فترته وزوال رجاله والتسلط الذي فرضه تنظيم الوزارات لهؤلاء المسؤولين، الذي ما أتانا إلا بالعشوائية ومحدودية النظر وهو نظر يخص المجتمع برمته، لا تصلحه عمليات الزملاء أطباء العيون، ولا تدركه آلاتهم؛ لأنه من عوالم ونواميس لا يعلمونها، ولكن آن لنا في مجتمعاتنا ومدننا أن نكون جزءا هاما من هذا النظر، وهو أمر أجزم بأنه سيمثل مرحلة جديدة من مراحل الوطن تتسم بالجودة، ورقي الأداء والشفافية التي ستسمح للمواطن من استشفاف غده وغد أجيالنا القادمة، وستزيل عن كاهل الوزارات وإمارات المناطق عبئا كبيرا من المراجعات والشكاوى والتظلمات، بل وتوابع المخرجات السلبية، التي قضت على أحلام وطنية وكيان أمة في زمن ثروة، ليكون إنجازا سعوديا حقيقيا، يسمح لنا باحتلال مراتب شرف في ميادين العلوم والاقتصاد والبناء الحضري، وهي لشديد الأسف في معظمها تبقى تطلعات أو أحلاما أو سمها بما شئت لكنها شيء لم يتحقق، والسبب في رأيي وببساطة شديدة أن القرار الحياتي الذي يلامسنا كان بيد أفراد، وآن له أن يكون في قبضة جماعات يراقب بعضها بعضا، وتفرض لغة الحياء والخجل على من في نفسه سوء، في تكوين وطني جديد في عهد جديد وروح جديدة، نرمي بها رأيا في حضرة سادة كرام جعلوا أمرهم شورى بينهم، وهم للمجد والمجد قدرهم، والله المستعان وعليه قصد السبيل. عضو المجلس العلمي الاستشاري لمعهد رياضيات القلب الأمريكي. عضو المجلس العلمي للجمعية العالمية للكوارث الكونية (ميونخ-ألمانيا)