×
محافظة مكة المكرمة

خادم الحرمين يصل إلى جدة

صورة الخبر

عثمان النمر تتشابه إسرائيل وتنظيم داعش في مقاربتهما للآثار، بمعنى إنهما يتشابهان ويتشاكلان، فالأولى تهتم بآثار الماضي من أجل اكتساب شرعية تاريخية في الحاضر، والثاني يهتم بالآثار سلبياً، لاكتساب شرعية في المستقبل بتدمير الماضي وخدمة إسرائيل بشكل أو بآخر مباشرة أو غير مباشرة عن قصد أو جهل. ف إسرائيل التي تدعي أن فلسطين التاريخية هي الأرض المقدسة الموعودة، تبحث عن إثبات عبر العمل الأثري والتنقيب في باطن الأرض عن مملكة اليهود وهيكل سليمان المزعوم تحت أساسات المسجد الأقصى المبارك. وتعتقد إسرائيل ظن السوء، أن من حقها إعادة عجلة التاريخ إلى الوراء، واستعادة شرعية أصلية مزعومة لإعادة أبناء إسرائيل الضالين. لتحقيق الهدف المظنون، تولي إسرائيل الآثار قسماً محورياً في عقيدتها الصهيونية، تبذل من أجلها الأموال والكوادر والوقت الكثير، وتجعل العمل الأثري حصراً على سلطات الاحتلال، وتشدد العقوبات على المخالفين، وينص قانون الآثار الإسرائيلي للعام 1978 في القسم التاسع على حظر التنقيب عن الآثار في الأراضي العامة والخاصة، والأحكام بالسجن والغرامة على المخالفين. كما ينص القسم ال 38 من القانون على حظر الوجود على أي شخص في موقع أثري خاص مع أدوات تنقيب. فمثلما تخوض إسرائيل حرباً على ظاهر الأرض الفلسطينية، لاستخلاصها كاملة للمهاجرين اليهود من شذاذ الآفاق من كل صقع، وحرمان أهل الأرض الأصلاء منها، تخوض حرباً أخرى تحت باطن الأرض للحصول منها - عبثاً - عن دليل مادي يثبت ملكيتها تاريخياً لتبرير العدوان والاحتلال. قانون الآثار الإسرائيلي ينبني على هدف مظنون، ولتحقيقه يريد الاحتلال أن يظل باطن الأرض الفلسطينية مقفلاً إلا أمام سلطات الاحتلال التي تستميت من أجل الحصول على قطع أثرية، تشترى بها بالمجان الأرض الفلسطينية لاقناع العالمين بأحقية مدعاة لا يقوم عليها برهان. إذا كانت إسرائيل تستطيع أن تحصل على السلاح الفتاك حماية، لأمنها وحفاظاً على التفوق النوعي عسكرياً لاستمرار احتلالها، فهي لن تستطيع أن تزور التاريخ باختلاق آثار شاهدة على دعاوى تاريخية مزعومة. في المقابل يعمل تنظيم داعش على تخريب وهدم وتجريف الآثار والمدن الأثرية من الوجود، في العراق وسوريا، وتشمل القائمة حتى مدن نينوى، كالحو، درشاروكين، آشور، نمرود والخضر وأضرحة ومساجد تاريخية وإحراق مئة ألف مخطوط وكتاب في مكتبة الموصل في العراق، وآثار مدينة تدمر ومقابرها ودير معلولا في سوريا، إضافة إلى بيع وتهريب الآثار عبر تركيا من أجل تمويل أنشطة التنظيم الحربية. تبحث إسرائيل عن شواهد، لتبرير ملكية تاريخية للأرض، ويمارس داعش عملية تطهير ثقافي وتدمير متعمد للتراث يستهدف هويات مختلف المجموعات التي تعيش في العراق وسوريا، والقضاء على المقومات الحضارية للأسلاف، والتراث الغني في أرض السواد والشام الذي يؤكد التعددية الثقافية والدينية وعمق التاريخ، والمستفيد الأكبر من هذه الجريمة التي ترقى إلى تدمير ثقافي شامل، هي إسرائيل.