بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ساد في الغرب قناعة تامة بأن غياب الديموقراطية في الشرق الأوسط هو السبب الرئيس المغذي للإرهاب. هذه القناعة تلاشت تدريجياً، حيث نُشِرت العديد من الدراسات التي تؤكد خطأ هذا التصور، ومنها دراسة لمجلة Democratization عام 2006م بعنوان (الإرهاب في العالم الإسلامي وغياب الديموقراطية في الشرق الأوسط: الإقصاء السياسي والاضطهاد وأسباب التطرف)، خلصت لعدم وجود علاقة بين التطرف وغياب الديموقراطية في المنطقة. دراسة أخرى نشرتها مجلة Studies in Conflict and Terrorism عام 2008م خلصت إلى أن استراتيجية الغرب في مكافحة الإرهاب بفرض نموذج الديموقراطية الغربي على العالم العربي ستؤول للفشل، لأن هذه الديموقراطية تتعارض مع الثقافة والهوية الإسلامية، ولا تقدم علاجاً للبؤس الاقتصادي، إضافة إلى أنها لن تتمكن من إيجاد حكومات أكثر شرعية من الحكومات الموجودة والقائمة على الشريعة الإسلامية. اليوم وبعد مرور 14 عاماً على أحداث الحادي عشر من سبتمبر -لم يخل فيها يوم من أخبار الحرب على الإرهاب والإنفاق عليه بالمليارات عسكرياً وسياسياً وفكرياً- عاد السؤال عن الأسباب الحقيقية للإرهاب يظهر مجدداً بشكل أقوى من أي وقت مضى. المتهمون الجدد هم: الفقر، البطالة، الجهل، وغياب العدالة الاجتماعية والتي يوظفها كل طرف لتحقيق أهدافه الخاصة التي لا علاقة لها بمكافحة التطرف والإرهاب، مثل القفز على السلطة أو صناعة السخط أو حتى تحقيق أهداف شخصية مادية أو اجتماعية. لو كانت هذه العوامل هي حقاً سبب التطرف والإرهاب فكيف يمكن تفسير تهافت مواطني دول غربية للالتحاق بتنظيم داعش الإرهابي، وانضمام متعلمين وأثرياء إليه؟ لا شك أن مكافحة التطرف والإرهاب لم يكتب لها النجاح لسببين رئيسين: الأول، غياب الإرادة الدولية الحقيقية للقضاء عليه، حيث لا زالت الدول العظمى تنظر للإرهاب بتناقض، فهناك إرهاب يهدد مصالحهم يتم ضربه بقوة، وهناك إرهاب يخدم مصالحهم تتم صناعته وتغذيته أو بأقل تقدير يغض الطرف عنه، والقاعدة وداعش أبلغ مثال. السبب الثاني للتطرف والإرهاب في المنطقة هو ذلك الذي دفع مراهقة نمساوية وطبيباً سعودياً وفناناً روسياً ورياضياً انجليزياً، وابناً لأسرة ثرية بالانضمام مع آلاف آخرين للقتال مع داعش، وأقنعهم بتفجير أنفسهم حتى في المساجد المليئة بالمصلين. إنهم «دعاة الوهم» و»دعاة التحريض»..دعاة الوهم الذين زرعوا الوهم بدهاء -وتحريف عن حقيقة الإسلام- في نفوس مضطربة يمتلىء بها العالم بأن ما تفعله سيمنحها السعادة الخالدة التي حرمت منها أو عجزت مغريات الدنيا عن تحقيقها لأصحابها.. ودعاة التحريض (وهم الأشد خطورة)، الذين أقنعوهم بأن أقصر طريق لتلك السعادة هو بقتل كل من يختلف عنهم أو يخالفهم!