×
محافظة المنطقة الشرقية

الفريق المحرج يرأس الاجتماع الأول للجنة العليا للسلامة المرورية

صورة الخبر

مازلت أتناول موضوع التطوير الذكي لعملية الإجراءات القضائية، في سبيل حل مشكلات حقيقية يواجهها المتعاملون مع المحاكم، واليوم كان لابد من أن نسوق جانباً مهماً من هذه الإشكاليات والمتمثلة في حبس المتهم على ذمة التحقيق وما يعرف قانوناً بالحبس الاحتياطي. هناك تعاريف عدة للحبس الاحتياطي، إلا أن جميعها تندرج تحت عنوان واحد، وهو سلب حرية الأفراد، وذلك ضماناً لتنفيذ العقوبة، فالمشرّع قد أجازه لمدة محدودة متى اقتضت المصلحة العامة وسير الدعوى ولكن ضمن شروط وقواعد محددة، لأن الطبيعة الإنسانية قد جُبلت على الاحترام، فلا يصح استخدام الحبس الاحتياطي بإفراط، ليتم حبس هؤلاء المتهمين لمدة أسابيع ولربما أشهر، وفي بعض الحالات إلى أكثر من سنة وربما سنوات إلى أن تنتهي القضية من جميع مراحلها، وقد لا تثبت الإدانة بحقهم بعد كل ذلك، ومن هنا تتضح جسامة هذا الإجراء لأن الأصل في سلب الحرية هو جزاء جنائي لا يفرض إلا حين ثبوت الإدانة. بالإضافة إلى أن الأصل في الإنسان براءته، وذلك وفقاً لما رسّخته المبادئ الدستورية على مر العصور... وبناءً عليه يكون الحبس الاحتياطي من الإجراءات الماسة بالحرية المتعارضة مع قرينة البراءة، كما أن كل الشرائع والأديان والدساتير حرصت على حماية الحرية الشخصية وتقديسها وضمان تقييدها أو الحد منها، وذلك إعلاءً لقيمة الإنسان وفقاً للمادة (3) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ((إن لكل فرد الحق في الحياة والحرية والسلامة الشخصية)). ومع كل هذا نقوم بحبس هذا الإنسان المدان متناسين ما يعانيه من ضغوطات اجتماعية ونفسية هائلة، وخسارة اقتصادية تعود عليه وعلى أسرته، والأضرار الجسدية لما يطرأ عليه من تغييرات في نظامه الغذائي والبيئة الصحية، بالإضافة إلى الضرر المادي والمعنوي الممزوج بنظرات الرفض والاحتقار التي لا تعوض على الإطلاق.. كما أن في مثل هذا الحبس الاحتياطي وحال ثبوت براءة المتهم من التهم المنسوبة إليه فإنه يحق له مطالبة المتسبب بالتعويضات المناسبة، وهي ما تحمل الدولة في كثير من الأحيان مبالغ باهظة ولكن للأسف فإن مفهومه للخروج من السجن بعد المعاناة الطويلة هي قاعدة ((اللهم السلامة)) و((احمد ربك)) وهو الأمر المرفوض في ثقافة الغرب. ومن هنا ونحن في عصر العولمة والخدمات الإلكترونية الذكية نتساءل: لِم لا نستخدم طريقة بديلة عن الحبس، وهي المراقبة الإلكترونية محققين النتيجة نفسها، ولكن بأقل الخسائر التي يتكبدها المتهم المحبوس وما قد تتكبده الدولة من مصاريف في حراسته أو تعويضه حال خروجه بالبراءة، وذلك عن طريق وضع سوار إلكتروني في معصم اليد يمكن من خلاله مراقبة تحركات المتهم دون المساس بحريته، وهو الأمر المعمول به في كثير من الدول الغربية، وقد يجابه هذا الاقتراح بالنقد بحجة أنه سيشار إلى هذا الشخص بإصبع اليد مصحوبة، مع همزات الناس المتبصرة بوضعه، ولكن يمكننا الرد بأن هناك ما يسمى بالملابس ذات الأكمام، أو أن يوضع هذا السوار في أسفل القدم، ذلك يكون أفضل بكثير من غيابه عن أسرته وأصدقائه وعالمه، الذين ستتعالى أصواتهم ليتساءلوا عن سبب غيابه وفعلته ...؟ الكثير من الأسئلة التي هو في غنى عنها، وبذلك نكون قد وفرنا الحماية لسلامة حياته الشخصية عن طريق هذا السوار. كما أنه من يظن أننا بذلك نكون قد وفرنا له السبيل لهروبه فيُرد عليه، بأن الأمر وارد ولكن في الجرائم الخطيرة وليست في الجرائم البسيطة، حيث احتمال الهرب يكون أمراً نادر الحدوث لأن المتهم سيفكر ملياً بمجموعة التضحيات التي سيقدمها مقابل الإفلات وما يترتب عليه من عقوبات أشد. ولذلك فإن مثل هذا السوار لا يستخدم إلا لأصحاب التهم البسيطة كالجنح وما يماثلها. دون أن ننسى ما تحققه هذه المراقبة الإلكترونية من تخفيف ضغوط السجون، ومراكز التوقيف التي بدأت تتزايد أعدادهم يوماً بعد يوم، والتي تتطلب توفير الغذاء اللازم والعلاج المناسب لكل شخص، فضلاً عن أن هناك بعض الحالات تتطلب الحراسة بمفهومها المكلف، وذلك عند إيداع بعض المتهمين في المستشفيات للعلاج، ومن ثم لو عملنا بهذا المقترح فسنكون قد وفرنا الكثير، ووضعنا حداً لمساوئ الحبس الاحتياطي، ومضينا في خطوة جديدة لعصرنة قطاع العدالة، وقد تعلمنا من الرسول الكريم محمد ((عليه الصلاة والسلام)) درساً للمساهمة في مساعدة وتسهيل الأمور للإنسان حين قال: ((ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن وجدتم للمسلم مخرجاً فاخلوا سبيله، فإن الإمام لأن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة)). نحن بإخلاء سبيله وجعله طليقاً يمارس حياته الطبيعية مع مراقبته الإلكترونية، فإن المتهم لن يفارق أهله وذويه، كما أنه سيبذل جهده لتسوية أوضاعه خارج السجن مع المشتكي في القضايا المالية تحديداً، لأنه لا فائدة من جلوسه في السجن ولن يستطيع تأمين المال اللازم لحل مشكلاته أو حتى رعاية أولاده وذويه وكفايتهم حاجة السؤال. وبالنتيجة تكون إيجابيات هذا السوار الإلكتروني أكثر من سلبياته المزعومة، والتي يمكن تداركها مع الوقت، وتكون من أهم ما أحرزه التقدم الإلكتروني والذي ينعكس إيجاباً على السياسة العقابية، وبه نحقق التوازن بين المصلحة الفردية بحماية حقوق وحريات المتهمين وأسرهم تطبيقنا لمبدأ ((لا تزر وازرة وزر أخرى)) والمعاقبين بالجرائم البسيطة وبين المصلحة العامة.