لا يزال اللون الأحمر شاغل الأمزجة والعقول، ولا يزال الناس يختلفون في تفسيره، لكن الدراسة الجديدة التي نشرتها مؤخراً مجلة «بايولوجي ليترز» التابعة لجمعية «رويال سوساييتي» البريطانية، تثبت أن ارتداء الملابس الحمراء يعكس انطباعاً عدائياً بعض الشيء. كما أظهرت الدراسة أن ارتداء اللون الرمادي أو الأزرق لا يعكس أي انطباع بالعدائية أو السلطة. الجديد في هذه الدراسة أنها تعتمد أيضاً مقاييس علمية، لا نفسية واجتماعية وتاريخية وحتى إحصائية فقط، ففيها أبرز باحثون من قسم الأنثروبولوجيا وعلم النفس بجامعة دورهام في بريطانيا العلاقة بين اللون الأحمر وفكرة الهيمنة الذكورية والهرمون الذكري. هذه الدراسة الجديدة تذكر بتاريخ الأحمر وعلاقته بالسلطة والقوة الذكورية، فنتذكر أن هذا اللون كان اللون الأساسي لدى الأباطرة الصينيين، ولا يزال اللون الأحمر حاضراً في كل الرموز الصينية، وحتى في المطاعم الصينية والفولكلور الصيني، وكان لوناً مفضلا لدى أباطرة آخرين في العالم. وإذا عدنا إلى معنى العنف في هذا اللون نجد أن جيش أسبارطا كان يلبس اللون الأحمر حتى لا تظهر آثار الدماء على المصابين، ونابليون بونابرت أمر عسكره أن يلبسوا سترات حمراء. وإذا كان اللون الأحمر موجوداً في عدد كبير من الأعلام الرسمية للدول، رامزاً إلى دماء الشهداء فمعناه ليس بعيداً عن فكرة العنف، وكذلك فكرة الثورة التي تستخدم الدماء. الحقيقة، أننا مشغولون باللون الأحمر كل الوقت، خصوصاً بعدما كثرت شارات الشوارع، يستوقفنا هذا اللون ويحذرنا، وأحياناً يكون بمعنى الخطر. فبالفعل تجتمع في اللون الأحمر كل هذه المعاني التي أثبتتها الدراسة الإنكليزية الجديدة. مع ذلك نشعر بأن للون الأحمر معاني مختلفة تتناقض مع الدراسة، ولعل وجود اللون الأحمر في ثياب الأباطرة لا يدل فقط على معنى قوة فيه، إنما معروف أن الأحمر في الصباغ كان من أغلى الأثمان، وقيل أنهم في حقبة تاريخية قديمة كانوا يستطيعون تلوين قماش بحجم سماوات بسعر قماشة قليلة باللون الأحمر. لذا كان لون النبلاء ولا يستطيع الفقراء الوصول إليه. وكما تقول الأسطورة الفينيقية ايضاً أن كلباً أكل صدفة الموريكس على شواطئ صور فاكتشفت صاحبته الأميرة اللون الأرجواني، وصار هذا اللون في ذلك الزمن مثل الذهب، في التجارة. ربما ظهرت قوة تعلق الناس باللون الأحمر بسبب ندرة وجوده في الطبيعة، فعدا الورود الحمراء وشقائق النعمان، وهي نباتات موسمية، لا ينتشر اللون الأحمر مثل انتشار الألوان الأخرى. لذا فانشاره في الطبيعة يبرز بقوة، وهو يشاهد من مسافات بعيدة بسبب قوته، من أجل هذه الصفة يستخدم كثيراً في الإعلانات. لكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا! هل جاذبية الأحمر عند الناس لها علاقة بنتائج الدراسة؟!، قد يكون هذا صحيحاً الى حد كبير.. هناك أسئلة كثيرة تطرحها الدراسة، لكننا دائما لا نخرج بعدها بنتيجة ثابتة وموحدة، فالاكتشافات الجديدة تزيد الأسئلة أحياناً والاندهاش بعض الاحيان، ونبقى في دوامة الأحمر، ويبقى الأحمر مشعاً بمعان كثيرة لا تستطيع دراسة أن تحصرها.. ويبقى سر الاحمر جميلا! * كاتبة كويتية Amal.randy@yahoo.com