لا أعتقد أن سعودياً - سوى الدواعش المغول - يقبل بجريمة مسجد العنود في الدمام، التي تم إحباطها، ونجّا الله المُصلين منها، بمنه وكرمه. ويبدو أن الدواعش كانوا يعملون بمنهجية زمنية، في كل يوم جمعة، على إيقاظ الحس المذهبي بين السنة والشيعة، والهدف أن يلحقوا بلادنا بالفتن الطائفية والفئوية، لتنتهي أوضاعنا الأمنية في الداخل السعودي إلى ما انتهت إليه العراق وسوريا وليبيا. ورغم أنني لا أؤمن بنظرية المؤامرة، إلا أنني لم أجد بُدّاً من التعويل على هذه النظرية، لتفسير هذه الهجمة الداعشية في هذا الوقت بالذات الذي يتلقى فيه الإيرانيون الفرس من خلال عملائهم الحوثيين في اليمن، الصفعات تلو الصفعات، ولا يستطيعون إلا الرضوخ والإذعان، فلا حيل لهم ولا قوة. أعرف أن التفسير المؤامراتي للظواهر السياسية الغريبة، حيلة العاجز، الذي لم يستطع أن يقرأ الماضي بعمق، ولم يرصد الحاضر بأفق واسع وتمعن، ولم يستشرف المستقبل كامتداد طبيعي للماضي والحاضر وتبعاتهما؛ كما هو التحليل الأقرب للحقيقة دائماً، فيُرجع السبب إلى المؤامرة. لكن - بالله عليكم - أقنعوني بأن الظاهرة الداعشية يُمكن أن نفهم أسبابها ودوافعها وأهدافها، وبالذات توقيت تفعيلهم - (الآن) - عملياتهم الإرهابية، وإيران تمر بالمأزق الخانق في اليمن، دون أن تحوم على تخوم المؤامرة؟. عمل أجهزة الاستخبارات، والتي فيها تُصنع المؤامرات - كما يقولون - لها في الغالب اتجاهان؛ الاتجاه الأول والرئيس: أن يتتبع الاستخباراتي الظواهر والأحداث المتعلقة بمصالح بلاده، ويرصدها ويحللها ويتلمس أسبابها، من جميع جوانبها، واحتمالات منابعها، ثم يُرجح الأسباب التي يراها الأقرب لهذه الظاهرة أو ذلك الحدث، ويسوق الأسباب. الاتجاه الثاني: يُقدم مقترحات بكيفية الاستفادة من هذه الظاهرة التي يُفترض أنها تهمه، وتعنيه تطوراتها؛ إما بالتصدي لها مباشرة، أو باختراقها، ومن ثم توظيفها لخدمة استراتيجيات وتكتيكات بلاده لتصب في مصالحه. واختراق عملاء المخابرات لبعض الأجهزة في الدول والأحزاب والحركات الإرهابية، أصبحت من المهمات التقليدية لكل أجهزة المخابرات كما هو ثابت من الشواهد في العصر الحديث، وبالتالي فإن من يرفض نظرية المؤامرة بشكل كلي، هو في تقديري، مجانب للصواب، ومن يعلق كل بواعث وأسباب الأحداث على مشجب المؤامرة، هو - أيضا - مجافيا للصواب. لذلك يمكن القول إن الظاهرة الداعشية هي نتاجٌ طبيعي ويجب أن يكون متوقعا، للعنف المتأسلم إذا تسيّس؛ فتنظيما داعش وبوكو حرام - مثلا - هما امتدادان لفكرة التغيير السياسي بالقوة، التي أشعلت جذوتها (القطبية الأخوانية)، وإن كانتا - (داعش وبوكو حرام) -غارقتين في التطرف والتشدد والدموية حتى آذان كوادرها؛ ومن هنا دخلت أجهزة الاستخبارات على الخط، وعملت على توجيه ممارساتها العنفية لتصب في مصالحها؛ وهذه - في تقديري - هي علاقة داعش بالمخابرات الإيرانية؛ وليس بالضرورة أن تعرف قيادات داعش ومن له الأمر والنهي في قياداتها العليا، فضلا عن تجنديها الصغار، بأنهم يُسهمون عمليا في تحقيق أهداف الإيرانيين، بل الأرجح أنهم خارج هذه المعرفة تماما؛ ويتصرفون، وهم لا يدركون مثل هذه الاختراقات، التي يعتبرون أنها مجرد شائعات مُغرضة؛ فالمؤدلج دائما أعمى البصيرة، تستعبده الفكرة وتسيطر على كل تفكيره و وجدانه، بحيث لا يرى غيرها هدفا وغاية، فيسعى إلى تحقيقها مهما كان الثمن؛ وهذا ما يجعل توجيهه على الاستخباراتي الإيراني مهمة يسيرة وسهلة؛ حتى وإن تطلب الأمر غض بصره عن دماء بعض الشيعة، والتمثيل بهم، طالما أنه سيحقق في النتيجة الهدف الأهم. وإيران، قادتها واستخباراتها، همهم وشاغلهم الأول، تزعّم العالم الإسلامي، وإظهار الطائفة السنية بأنهم طائفيون وتكفيريون ودمويون، وهم - وليس الشيعة - الإرهابيون من المسلمين؛ وهذا ما تُحققه لهم داعش على أفضل وجه، وبالشواهد الحية على الأرض؛ كما ان انتصارات داعش في العراق، واكتساحها لجيش العراق المتهالك، وتقدمها نحو العاصمة بغداد، سيضطر البعادي إلى الاستنجاد بإيران، لتخليصه من الغول الداعشي، الذي ساهم الإيرانيون في تضخيمه، من خلال تخاذل الجيش والمقاومة الشعبية (الشيعية) في التصدي لها بتدخل مباشر من الخبراء الإيرانيين الذين يسدون لهم النصيحة في القتال؛ وإذا استدعت الحكومة العراقية الإيرانيين، فهذا ما يصبو إليه الملالي؛ عندها سيقوم الإيرانيون بتمزيق الورقة الداعشية في أيام، لأنها انتهت صلاحيتها. هذا ما يخطط له الإيرانيون، وسر تلك الممارسات الدموية القميئة التي ترتكبها داعش لتشويه أهل السنة، ليقطف الإيرانيون الثمرة؛ أما أمريكا فتتخذ موقفاً مؤداه: دعهم يتصارعون، ومن سينتصر في الصراع يكون أهلا للتعامل معه، كشرطيها في المنطقة. إلى اللقاء. نقلا عن الجزيرة