×
محافظة المنطقة الشرقية

«الوحدة الصحية» تنظم معرضا للاحتفاء بيوم «الامتناع عن التدخين»

صورة الخبر

مع عودة الإرهاب بقيادة الإخوان للنشاط في ستينيات القرن الماضي كانت أمامنا ملاحظة مهمة بعد أن فتح السادات المجال أمامهم للعمل في الجامعات وغيرها لمواجهة خصومه من الناصريين واليساريين. كانت الملاحظة أن الإخوان ركزوا جهودهم على الكليات العملية، خاصة في الطب والهندسة، حيث تربى في هذه الفترة عدد كبير من قيادات الجماعة. من أبو الفتوح والعريان إلى بشر وغيرهم. وبينما كان نفوذ الجماعة وأنصارها في هذه الفترة قليلاً في الكليات الإنسانية، كان الأزهر الشريف يمثل بالنسبة لهم التحدي الكبير. ورغم تحالفهم في هذه الفترة مع السادات الذي انتهى بأن غدروا به وقتلوه، ورغم أن قيادات الأزهر في هذه الفترة كانت قريبة أيضاً من السادات، إلا أن إخوان الإرهاب فشلوا تماماً في مد نفوذهم داخل الأزهر الشريف في هذه الفترة لعوامل كثيرة، منها أنهم كانوا لا يستطيعون بيع بضاعتهم الفاسدة في مناخ كان فيه التعليم الديني بخير، وكانت الإصلاحات التي تمت في عهد عبد الناصر قد حولت جامعة الأزهر إلى جامعة حديثة تدرس أحدث العلوم إلى جانب دراسة الفقه والشريعة وباقي علوم الدين. ومنها أن الأزهر الشريف كان بتراثه العظيم منفتحاً على المجتمع ومهتماً بقضاياه. كما أنه كان ولايزال يؤمن بتعدد الآراء، وتتسع ساحاته لدراسة المذاهب الإسلامية الأربعة دون تفرقة. بل إنه في عهد الأمام العظيم محمود شلتوت رحمه الله أدار حواراً مهماً بين السنة والشيعة، انتهى للاعتراف بأحد المذاهب الشيعية الرئيسية. وفي مثل هذا المناخ المنفتح لم يستطع إخوان الإرهاب في ذلك الوقت أن يجدوا مكاناً أو يبنوا نفوذاً في الأزهر الشريف كما فعلوا في أماكن ومؤسسات أخرى. لكن الوضع تغير بعد ذلك، استغل الإخوان تراجع دور الدولة في مجالات عديدة يحتاجها المواطن (ومنها التعليم) وبدأوا في برنامج طويل المدى لإنشاء المدارس والمعاهد الابتدائية والثانوية الدينية، ومع تدفق الأموال الطائلة لأيديهم توسعوا في القرى والمدن الصغيرة، وأنفقوا على هذه المدارس والمعاهد، وفي نفس الوقت وضعوها تحت سيطرة أفكارهم، لتخرج أجيالاً مشبعة بها ولتستكمل طريقها بعد ذلك في جامعة الأزهر، لنفاجأ بأن بعض كليات هذه الجامعة العريقة في وسطيتها وتسامحها قد أصبحت مراكز لنفوذ الجماعة التي بدأت (عندما استولت على الحكم في مصر) في محاولة هستيرية للسيطرة على قيادة الجامعة وتوسيع نفوذها لتدخل في حرب مع الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، في صراع وصل لحصار مكتبه، وإلى التآمر للسيطرة على المؤسسة الدينية الأكبر في عالمنا الإسلامي، وتحمل الرجل ضغوطاً هائلة، وقاد بحكمة سفينة الأزهر في هذه الأيام الصعبة التي أنهاها شعب مصر في 30 يونيو العظيم، بينما كان إخوان الإرهاب يعدون مفتي الجماعة ليكون إماماً للمسلمين! وقد كان للرجل في السنوات القليلة الماضية فضل جمع أطياف المثقفين والمفكرين في رحاب الأزهر، حيث صدرت وثائق مهمة حول الحريات وحقوق المرأة وغيرها من القضايا الأساسية. وفي هذه الظروف لا بد أن تتجه الأنظار للأزهر الشريف، خاصة بعد أن أصبح تجديد الخطاب الديني عنواناً لإصلاح مطلوب وضروري لمواجهة هذا الفراغ الذي تستغله جماعات التطرف أبشع استغلال في نشر دعواتها المدمرة. وربما يكون الأزهر الشريف قد اتخذ خطوات في طريق تعديل المناهج الدراسية بمعاهده .. لكن الأمر أبعد من ذلك بكثير، وعلينا جميعاً (دولاً وشعوباً) أن ندعم الأزهر الشريف في خوض المعركة الصعبة للإصلاح وتجديد الفكر ومواكبة العصر ودعم الوسطية والتسامح، وإقامة جسور الجوار بين كل مكونات الأمة. المهمة صعبة.. بعد أن طال الجمود وغاب الاجتهاد، وتركت الساحة لمن يريدون إعادتنا للقرون الوسطى، أو لمن يريدون إغراقنا في حروب المذاهب، أو على الجانب الآخر للعابثين أو الباحثين عن الشهرة بأي طريق، والمسيئين للدين والأوطان فراراً من المعركة الحقيقية إلى ساحات الأوهام! المهمة صعبة.. لكننا لا نستطيع أن نهملها أو ندفع تكاليف خسارتها، وسوف تجد مقاومة حتى من داخل الأزهر نفسه.. سواء من بقايا الإخوان أو من الذين تجمدت عقولهم على أسوأ الأفكار الظلامية. لكن الأزهر الشريف قادر على النهوض برسالته الضرورية في هذه الظروف التي تواجهها الأمة، خاصة بعد أن انكشفت كل النوايا وأدرك الجميع حجم الخطر، ولم يعد هناك من لا يعرف أن المصير مظلم إذا لم تكن المواجهة شاملة لضرب تحالف الشر بين الإرهاب والطائفية، القضاء على الأفكار الظلامية التي يراد لها أن تحكم مصير العرب والمسلمين في القرن الواحد والعشرين. دعمنا للأزهر كبير بقدر آمالنا فيه، ونحن أول من يعرف أن تجديد الخطاب الديني لن يتم في يوم وليلة، بل سيكون نضالاً شاقاً وطويلاً، والمهم هنا أن ندرك أننا في طريق مزدوج.. فمن ناحية فإن أداء الأزهر الشريف رسالته هو خير عون للأمة على اجتياز أزمتها الراهنة. كما أن قيام الدولة بواجبها في الانحياز للعدل والحرية والاستقلال هو خير دعم للأزهر وخير إعداد للساحة لكي يقوم برسالته. تحية للأزهر الشريف، ولإمامه المستنير.