×
محافظة المدينة المنورة

تسجيل الراغبين في العمل بموسم حج هذا العام .. وزير الصحة يرأس اجتماع لجان الحج التحضيرية

صورة الخبر

بدأ الأمر بدعوات تنطلق بين الحين والآخر تطالب بحل الأحزاب المصرية، ثم وصل إلى رفع دعاوى أمام القضاء تطالب بالمطلب نفسه، وإذا كان من المفهوم أن ترفع الدعاوى القضائية على الأحزاب المتهمة بأنها أحزاب دينية، وبعض هذه القضايا منظورة لا تزال أمام المحاكم، إلا أنه من المستغرب أن تشهد ساحات المحاكم دعاوى طالبت بحل جميع الأحزاب التي نشأت قبل ثورة يناير أو بعدها، تأسيساً على ضعف تواجدها وتأثيرها في الشارع المصري بدأ الشوط الأول بطلب تقدم به عدد من السياسيين إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي إبان انتخابه بإصدار قرار بحل الأحزاب السياسية في مصر، وذلك لإعادة هيكلتها، مشيرين إلى أن الأحزاب في مصر لم تتمكن حتى الآن من تقديم أوراق اعتمادها لدى المجتمع المصري، بينما رفض آخرون الفكرة على أساس أن الأحزاب تمثل العنصر الأساسي وشريان الحياة الديمقراطية، واعتبر أصحاب هذا الرأي أن ضعف الأحزاب يعود بالأساس إلى استقواء السلطة على مر التاريخ السياسي على الأحزاب ما أضعفها وحال دون أن تتمكن من القيام بدورها المفترض القيام به في إثراء الحياة السياسية وإنضاج التجربة الحزبية. من بين هؤلاء الداعين إلى حل الأحزاب أساتذة علوم سياسية بالجامعات المصرية، وبعضهم دعا الرئيس السيسي إلى حل الأحزاب وإعادة بنائها من جديد وفق اتجاهات رئيسية واضحة، قائلاً: إن الحياة السياسية الحالية لا تعبر عن الثورة. المختلفون مع هذه النظرة يؤكدون أن الداعين لحل الأحزاب يجهلون التاريخ، وأن الأحزاب المصرية في معظم مراحلها لم يتح لها الاستمرار فترات كبيرة من دون معاقبتها ومحاصرتها في مقارها، وأن الأحزاب برغم ضعفها هي عصب الحياة السياسية في مصر، ويتناسون أن هذا الضعف ناجم بالأساس عن سببين رئيسيين، أولهما أن هناك نخبة تسيطر على الأحزاب عبر بعض العائلات ورجال الأعمال الذين سعوا لتكوين الأحزاب الجديدة في أعقاب ثورة 25 يناير، وثانيهما أن المناخ العام تتراجع فيه السياسة وتتقدم إجراءات الأمن في مواجهة شرسة مع الإرهاب في واحدة من أسوأ موجاته منذ أواخر الأربعينات من القرن الماضي وحتى اليوم. الدعوات إلى حل الأحزاب تحولت عند البعض الآخر إلى دعاوى قضائية، وهناك أكثر من دعوى تطالب بحل الأحزاب، منها الدعوى المقامة من توفيق عكاشة مالك قناة الفراعين، أمام دائرة الأحزاب السياسية بالمحكمة الإدارية العليا، يطالب فيها بحل جميع الأحزاب السياسية القائمة وعددها 90 حزباً، تأسيساً على زعم ثبوت فشلها في تقديم مرشحين للانتخابات البرلمانية التي تم تأجيلها بسبب عدم دستورية بعض مواد قانون الانتخابات وقد أجلت محكمة القضاء الإداري نظر الدعوى إلى جلسة 5 يوليو/تموز المقبل. اختصمت الدعوى كلا من الرئيس عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء إبراهيم محلب ورئيس لجنة شؤون الأحزاب، وذكرت أن هذه الأحزاب فشلت في تقديم مرشحين للقوائم الانتخابية التي لم يتقدم لها سوى مرشحين من 7 أحزاب وكيانات سياسية، كما أخفقت تلك الأحزاب في تغطية القوائم الأربع المقررة على مستوى الجمهورية، ما يؤكد ورقية هذه الأحزاب وهشاشة تكوينها، وأضافت صحيفة الدعوى: أن غالبية هذه الأحزاب نشأت بعد ثورة 25 يناير، ومعظمها تأسس عن طريق الإخطار ويفترض وفقا للقانون أنها تضم 450 ألف عضو، حيث يشترط أن يكون عدد المؤسسين لكل حزب 500 شخص حتى يتسنى له الحصول على الموافقة، ومع ذلك لم يتقدم لقوائم الانتخابات سوى 840 عضواً فقط يمثلون 7 أحزاب، فيما فشلت الأحزاب الباقية في الدفع بمرشحين لها، وأوضحت أن هذا يعني أن بعض المؤسسين لهذه الأحزاب لا يعلمون شيئاً عنها وانضموا إليها لأسباب أخرى. واعتبرت الدعوى أنه في حالة استمرار هذه الأحزاب فإن ذلك يشكل خطراً على الجبهة الداخلية المصرية، ويؤدي لشق الصف بين أبناء الوطن، خاصة أن أغلبها نشأ على هوية دينية. دعوى أخرى مقامة أمام نفس الدائرة بالمحكمة الإدارية العليا، تطالب بحل حزب مصر القوية، وإلغاء قرار لجنة شؤون الأحزاب السياسية الصادر بالموافقة على تأسيس الحزب واعتباره كأنه لم يكن، أو إلزام الحزب بتوفيق أوضاعه وتغيير اسمه، وهي مؤجلة بدورها إلى جلسة ٢٠ يونيو/حزيران المقبل، وقد جاء في عريضة الدعوى القضائية المقامة من روفائيل بولس تواضروس المحامي ورئيس حزب مصر القومي، والتي قالت إن حزب مصر القومي قد صدرت الموافقة على تأسيسه في 17 أغسطس/آب 2011، ثم صدرت بعد ذلك موافقة لجنة شؤون الأحزاب على تأسيس حزب مصر القوية في تاريخ لاحق مما أوجد خلطاً واضحاً وصريحاً بين الحزبين في الشارع المصري نتيجة التقارب الشديد بين اسمي الحزبين، رغم ما أكده من الاختلاف الشديد بين حزب مصر القومي الذي يعد من الأحزاب ذات التيار المدني الليبرالي القومي، بينما حزب مصر القوية من الأحزاب ذات التيار الإسلامي المتشدد ذي المرجعية الدينية الإسلامية، وذلك بالمخالفة لقانون الأحزاب السياسية رقم 40 لسنة 1997 وتعديلاته، مطالباً بحل حزب مصر القوية. دعوى ثالثة أمام الدائرة نفسها أقامها أحمد الفضالي، رئيس تيار الاستقلال، يطالب فيها بحل الأحزاب الدينية التي تضم 11 حزباً تمثل تحالف دعم الإخوان، وهي أحزاب البناء والتنمية والعمال الجديد والفضيلة والإصلاح والتوحيد العربي والوطن والوسط والحزب الإسلامي والراية والعمل والجبهة السلفية، بالإضافة إلى حزب الحرية والعدالة المنحل، وذكرت الدعوى أن تلك الأحزاب تشارك في التحالف الإرهابي، وأنهم أعدوا ملفاً بجرائم التحريض على العنف والقتل والتخريب التي دعا إليها تحالف الأحزاب الإرهابية، وكذلك تصريحات قادة هذه الأحزاب، وقد أجلت المحكمة نظر الدعوى إلى جلسة 5 يوليو/تموز المقبل. كانت هناك فرصة تاريخية غير مسبوقة لبناء حياة حزبية سليمة، تفتح المجال واسعاً أمام الجيل الجديد الذي فجر ثورتي يناير ويونيو لكي يشارك بفاعلية حقيقية في صناعة وبناء نظام سياسي جديد، إلا أن الأمور مضت على غير ما تشتهي السفن الجديدة، وتم تعقيد المشهد السياسي، برفع أعباء تشكيل أحزاب جديدة إلى درجة غير مسبوقة خمسة آلاف عضو مؤسس، وعشرات الألوف من الجنيهات لمصاريف الإشهار، ولجنة لتقرير الصلاحية مرة أخرى، ما جعل مسألة تأسيس الأحزاب بعد الثورة حكراً على من يملك المال الوفير، والعزوة الاجتماعية الواسعة، أو العلاقة بالسلطة، ونشأت من هذا الوضع أحزاب وهمية، أو شكلية، أو افتراضية، أنشأها عناصر من رجال المال والأعمال، إلى جانب عدد من الأحزاب الدينية، وبعضها ضم في قياداته إرهابيين محكوماً عليهم في قضايا قتل المواطنين وترويعهم. بالإضافة إلى ضعف الحالة الحزبية يشهد عدد من الأحزاب حالة من الصراع الداخلي بين مؤيد ومعارض لسياسات رئيس الحزب، وذلك قبل بدء الاستعداد لخوض الانتخابات البرلمانية، والتي من المفترض أن تكون مشغولة بتجهيز مرشحيها لها، ولكن بسبب الأزمات واقتراب الانتخابات الداخلية؛ بدا أن كثيراً من الأحزاب على صفيح ساخن، وتمر أحزاب الوفد والمصري الديمقراطي والدستور والمصريين الأحرار والمؤتمر بتوترات داخلية، وصل في بعضها إلى الانشقاق الداخلي. ما يزيد من اشتعال الانقسامات في الأحزاب عدم توافر آلية داخلها لحسم وإنهاء أي خلافات تنشأ بين أعضائها، وهو ما يجب أن تعمل جميع الأحزاب على القيام به حتى تحافظ على استقرارها الداخلي، ويشعر المواطن بقوتها، ولعل تدخل الرئيس السيسي بنفسه في أزمة حزب الوفد تعبر عن جانب خطر من الأزمة المزدوجة للأحزاب المصرية، حيث بدا أن بعض رجال الأعمال يشاركون في عملية إذكاء لنار الفتنة والانقسام داخل صفوف حزب الوفد بهدف تطويعه لمخططات وطموحات سياسية لهؤلاء المتدخلين يريدون بها السيطرة على النصيب الأوفر من كعكة البرلمان القادم. حالة الأحزاب السياسية لا تعبر فقط عما يجري داخلها، لكنها في الحقيقة تعبر عن حالة النظام السياسي ودرجة تطوره في أي دولة، ورغم أن عدد الأحزاب يصل إلى ما يقارب المائة حزب، فإن هذا العدد ليس دليلاً على قوة النظام الحزبي في مصر، وهو وضع موروث من النظام السابق ممثلاً في حكومته وحزبه اللذين فرضا عدداً من القيود السياسية والقانونية التي ضمنت لحزب النظام احتكار السلطة السياسية بكافة أشكالها على نحو أضعف باقي الأحزاب الأخرى، وفاقم من مشكلاتها الداخلية، وحد من قدرتها على المشاركة السياسية، أو على القيام بدورها في تجميع مصالح المواطنين، والتعبير عنها. الأحزاب القائمة في مصر اليوم هي جزء من أزمة السياسة، والأسوأ في أزمة الأحزاب أنه يترتب على ضعفها وعدم فاعليتها وانقساماتها الداخلية وقصورها في أداء وظائفها عزوف المواطنين عن المشاركة الجادة في الحياة السياسية بكل مستوياتها بصفة عامة، والمشاركة في الانتخابات النيابية بصفة خاصة، وترسيخ قيم السلبية واللامبالاة وضعف الانتماء، وإتاحة الفرصة أمام تيارات الإرهاب والتطرف الفكري لاستيعاب واستمالة بعض الشباب في إطار تنظيمات غير شرعية قد تؤدي إلى أساليب غير سلمية، الأمر الذي يشكل خطراً كبيراً على الديمقراطية ومستقبلها في مصر. وإذا كان صحيحاً أن هناك أزمة حادة في الأحزاب المصرية، فإن من الصحيح أيضا القول إن هناك أزمة سياسية تزيد أزمة الأحزاب تفاقماً، وتزيد الأزمات في المجتمع اشتعالاً ما ينذر بخطر لن تكون الأحزاب وحدها هي المهددة من جرائه.