×
محافظة المنطقة الشرقية

رجال أعمال و أعضاء شرف النصر يكرمون الأمير فيصل بن تركي في حفل نخبوي

صورة الخبر

< لو كان سيد قطب حاضراً بيننا اليوم، ورأى بأم عينه كيف يقتل المسلمون بعضهم بعضاً، باسم الله وعلى المذهب، هل كان سيجرؤ بفكره الوقاد الذي قدح به زناد قلمه الذي دبج به كتبه التي ألهبت أرواح ملايين البشر في عالمنا الإسلامي؛ المتطلعين بعد حقبة الاستعمار إلى أمة الغد المنتظرة أن يعود إلى مثلها ويستنسخ كل أطروحاته المتطرفة التي حقنها في كتبه الثلاثة الأهم في صيرورة كل الحركات الإسلامية المعاصرة، «معالم في الطريق»، و«هذا الدين»، و«المستقبل لهذا الدين؟ أي حسرة ستجتبيه لو رأى كيف يبيد المسلمون بعضهم بعضاً بأبشع طرق التدمير وأسلحته؟ هل سيستنسخ حسراته الأولى التي كانت ملتاثة بواقع الأمة الإسلامية المستخذية؛ المستسلمة للدعة والاستقرار تحت أنظمة غير إسلامية؟ في ذلك الزمن لم يكن ثمة دماء تراق كما يحدث لأمة اليوم، لو أبصر كينونتها الأخيرة البشعة، وهي تعبر في نفق وجودي مظلم ومنزلق تاريخي خطير، ماذا يمكن أن يكتب؟ هل سيكتب براءته من سراق سيف الإسلام الذين أشهروه بكل بطش وجبروت وراحوا ينحرون به الناس على قارعة الطرقات؟ أيلتمس لنفسه الأعذار أم أنه سيتشبث بأفكاره ذاتها بدعوى تخليص الأمة من جاهليتها والقضاء على كل الأنظمة الكافرة بدعوى الحاكمية؟ كيف يمكن لرجل قدم رقبته إلى حبل المشنقة ببساطة؛ لأن عقيدته تحرِّضه على الموت شهيداً، أن يتراجع في زمن القتل والتفجير والسحل والإبادة باسم الدين؟ لقد حدث ما كان يبتغيه وأكثر من ذلك بكثير، فقد مثَّل تابعوه الدين بأقصى حدوده المتطرفة، هل تحقق له ما كان يبتغيه يوم أخرج الدين من الزوايا والمساجد، وسجَّر ناراً تلتهم الأخضر واليابس؟ وبعد كل هذه الاحتفاليات الهستيرية للإرهابيين بعد كل تفجير يحدث هنا وهناك لم نر البعث الأممي الجديد الذي بشر به مفكر الإخوان العظيم، كما لم يتخلص المسلمون كما كان يتوخى في أدبياته الدينية من ارتباطاتها بالآخر الغربي، الذي لا يمكن أن ينظر إلينا اليوم إلا من خلال نظرتين: الأولى مكدسة بالشفقة، والثانية مغرقة بالمطامع المسحوبة من تحت أنقاض الدمار. برأيكم، لو كان سيد قطب بيننا اليوم، هل سيخضع لإمارة البغدادي ويأتمر بأمره ويشد جسده بحزام ناسف لتفجير مسجد ليزهق أرواح مئات الأبرياء أم سيكون مستشاراً فكرياً أميناً للجماعات الإرهابية؟ لعله حينما أغدق على مؤلفاته بطيف الحلم الأممي غفل عن تشظي الأمة تاريخياً، وأنها تقبع داخل انقسام مذهبي نكد، لم تعيها لاحقاً تلك الأرواح التعبوية المثخنة بأفكاره من مفكري الإسلام السني السياسي، لقد خانتهم أفكارهم عندما ظنوا أن الإسلام في كل مذاهبه وطوائفه سيتحد في لُحمة إسلامية سياسية واحدة، حتى مع اقتراب الشيعة قبيل الثورة الإيرانية من أفكار سيد قطب الثورية وترجمتها إلى اللغة الفارسية، لقد نسفت الثورة الإيرانية الخمينية كل هذه الأحلام، لتقدم أنموذجاً إسلامياً وسياسياً مختلفاً في بعض تفريعاتها العقدية، ومنهجها السياسي المرتبط مباشرة بولاية الفقيه، من هنا قدحت أولى شرارات الفرقة في عالمنا الإسلامي، وتلوثت المجتمعات بأفكار تكفيرية متطرفة، وبدأ استشعار الخوف من الآخر يطغى في لغة الخطاب المتداولة، فانكشفت معها عورة الدين المنحدر إلينا عبر مصنفات تاريخية تضج بالمقابر ذات الزخم النتن. لقد بات المذهب المتحدث الرسمي نيابة عنا، بعدها لم يعد المجتمع يصف بعضه بعضاً بمعياري الصلاح والفساد الأخلاقي، بل أصبح منقسماً إلى سني وشيعي، وكلما تعالت وتيرة التطرف بينهما تسارع المتطرفون إلى الانضواء إلى أحد الفيلقين الكبيرين المتصارعين في سورية (داعش وإيران)، وقد انتبه الطامحون من ذوي الاتجاهات السياسية الإسلاموية من المذهبين إلى تفخيخ هذا الانقسام، الاستقطاب في إحماءة ممنهجة للإقصاء ورفض الآخر، حتى احتقنت قلوب عوام الناس بالبغضاء للآخر المختلف عقدياً، واشتعلت بعض القنوات الفاسدة برخيص الأفكار، وطفا في الفضاء الإعلامي أسماء لا همَّ لها إلا إقحام الخصوم والكيد لهم. لقد تبلغت الرسالة القطبية والخمينية بشكل كامل، وأضحى الصراع المعلن واقعياً يُرى رأي العين عبر كل مشاهد التفجير والقتل المنسوبة لأحد الفريقين، كلاهما يصبو إلى نيل قصب السبق في احتلال موقع جديد في جسد الأمة الممزقة. ساقتنا كل هذه الفجائع إلى تبني مواقف متطرفة تجاه بعضنا بعضاً، وأمسى التكفير من أدبيات مجالسنا اليومية يسمعها الصغار من أفواه الكبار، لتنمو معهم هذه اللوثة وتتغلغل كالجرثومة القاتلة في دمائهم فليس بعد تكفير السني للشيعي أو العكس، سوى التبني الكامل للقضية، والبحث عن نوافذ للانتقام وتطهير العقيدة من لوثات الآخر، قد لا تحتاجون إلى أدلة وشواهد على ذلك، فقط يكفيكم الدخول إلى موقع أو الاستماع إلى قناة فاسدة من قنوات التحريض؛ لتدركوا عمق الشقاق والخلاف بيننا. في دول الخليج الآمنة كنا إلى وقت قريب نكتفي بسماع نبرة الخلاف، ثم اتسعت إلى مستوى التراشق والتكفير العلني، إلى أن وصل إلى تجييش قلوب ثلة من المتطرفين عبر قيادات خارجية؛ لإقحامها في صراعات طائفية لن تنتهي إلا بإبادة شاملة للحرث والنسل، والذين يديرونها يفهمون جيداً قدرة هذه الدول على محاربة هذه النوازع الإجرامية المسيسة، أيضاً يفهمون جيداً مدى جاهزية هذه المجتمعات التكفيرية سنةً وشيعة لتقبل مثل هذه الغوغائية المفرطة بالدموية، لذلك لن يكلَّوا من تعميق هذه الفرقة الطائفية، ولتكن الملاسنة والملاحات أولى بذورها، فستؤتي أكلها ولو بعد حين، فمادامت -مع شديد الأسف- لغة التشفي وقبول ما يحدث قائمة؛ فأملهم كبير في تسريع إيقاع الفتنة بين الطوائف المختلفة. اليوم يجيء دور الثقافة الحقيقية، وإعادة جدولة حاجتنا إلى الدين وفق منظور رؤيوي ثقافي جديد، وصياغة مناهج تعليمية قائمة على أسس حداثية رصينة، تنظر إلى كينونة الإنسان ومواهبه الحقيقية، من دون أدنى الاعتبارات الطائفية والقبلية والجهوية والجنسية، مع صياغة قوانين حارسة لها، مشمولة بميثاق وطني يعيد صياغة اللحمة الوطنية، بما يحقق مفهوم السواسية والعدل بين أفراد المجتمع، ونقف صفا واحداً ضد أي محاولة خارجية للعبث بإنسانه ومقدراته. وإن لم نقم بهذا فستتكرر المساجلات الإرهابية بين كل الطوائف مهما بلغت تحصيناتنا الأمنية. * كاتب وروائي سعودي. almoziani@