تتصدر صحة المواطن الاهتمامات التي توليها الدولة لكل ما فيه سلامته وسعادته وقدرته على العيش الهانئ الكريم، وهي في سبيل ذلك عملت مبكراً وما زالت على التنمية الصحية الشاملة منذ سنوات، حيث كان الاهتمام في البداية على تعميم الخدمات الصحية جغرافياً لتصل للمواطن في مكان إقامته في البادية والحاضرة وفي جبال الجنوب ونفود الشمال، وقد حققت خطط التنمية السابقة نجاحًا ملموسًا في هذا المجال، ولا نكاد نجد تجمعًا بشريًا على مدى مساحة الوطن إلا وقد وصلت الخدمات الصحية سواء كان مستشفيات أو مراكز صحية، ولم تنحصر هذه الخدمات على وزارة الصحة فقط التي لها نصيب الأسد في ذلك، بل نجد أن الكثير من القطاعات الحكومية وفي مقدمتها: القوات المسلحة، والحرس الوطني، والأمن العام، تهتم بإقامة مشاريع الخدمات الصحية من مستشفيات وغيرها، والتي يستفيد منها منسوبوها في الدرجة الأولى، كما يستفيد منها المواطنون في كثير من الأحيان، هذا كله إلى جانب ما توليه الدولة للمؤسسات الصحية في القطاع الخاص وما تقدمه لها من حوافز وتسهيلات. ويمكننا القول إن الدولة -أيدها الله- بعد أن نجحت في الجانب الكمي من تعميم المنشآت الصحية، أخذت تتجه باهتمام بالغ نحو تطوير المؤسسات الصحية وخدماتها، بدءاً بالعنصر البشري حيث بدأت باستقدام ذوي الخبرة من الأطباء والممارسين الصحيين، بمختلف التخصصات، إلى جانب سعيها الدائب في إعداد الشباب السعودي، سواء من خلال الابتعاث إلى أرقى المؤسسات العلمية في الخارج أو من خلال التوسع في إنشاء كليات الطب في الجامعات السعودية، علاوةً على جامعة متخصصة في العلوم الطبية أنشأها الحرس الوطني في مدينة الرياض، وكلية أخرى مشابهة أسستها القوات المسلحة. أما في جانب التقنية والأجهزة الطبية فإن توفر هذه الأجهزة في المستشفيات أمر ملموس، وتحرص وزارة الصحة وغيرها من القطاعات على مواكبة كل المستجدات في مجال الأجهزة والتقنيات الطبية، ويمكن القول نفسه عن أبنية المستشفيات والمراكز الصحية في القرى والأحياء. ولعل ما سبق الحديث عنه من كوادر بشرية وأجهزة طبية وأبنية أهم مدخلات عمليات البرامج الصحية والطبية المقدمة للمواطن، وقد لقيت كما أسلفت وما زالت ما تستحق من الاهتمام. أما العنصر الآخر الذي يحكم عمليات تقديم الخدمة، وهو الإدارة الصحية، فهو بصراحة لا يزال بحاجة إلى مزيد من العناية، وهو جانب لم تغفل عنه القيادة التي سعت لذلك من خلال البحث الدائم عن القيادات التي تستطيع أن تحقق ما ينتظر منها من توقعات وما بني على جهودها من آمال، بدءاً من منصب الوزير وصولاً إلى صاحب أي تخصص طبي حيثما كان، فقد تتابع على الطب سبعة وزراء أكثرهم أصحاب تجربة ناجحة، بدءاً من غازي القصيبي -يرحمه الله- الذي تولى الصحة بعد نجاح ملموس في وزارة الصناعة والكهرباء، ومؤخراً الدكتور عبدالله الربيعة الذي يملك سجلا ناجحا واضحا في تطوير الخدمات الصحية في الحرس الوطني، ثم المهندس عادل فقيه الذي جاء إلى وزارة الصحة على خلفية نجاحه في وزارة العمل، ومن سبقهم أو لحق بهم من الوزراء الذين تتابعوا على الوزارة وصولاً إلى معالي الوزير الحالي المهندس خالد الفالح، الذي جاء من موقع قيادي في أرامكو التي تعد من أكبر الشركات العالمية والإقليمية نجاحاً على كافة المستويات سواء في الميدان الرئيس للشركة وهو صناعة النفط، أو في إدارة الخدمات التي تقدمها الشركة لموظفيها وللمجتمع المحلي، ولا شك أن عدداً من الملفات التي تنتظر الوزير الجديد والتي تحتاج إلى حلول إبداعية لم تجدها في الفترة السابقة، رغم ما بذل من جهود ومحاولات، وفي مقدمتها: الأخطاء الطبية، وانصراف ذوي الاختصاصات الطبية والصحية إلى القيام بوظائف ومهام إدارية، بعيداً عن اختصاصاتهم، وكذلك التنمية المهنية للممارسين الصحيين، وصقل تجاربهم وخبراتهم، إضافةً إلى العديد من الملفات الأخرى ذات العلاقة بالشئون المالية واعتماد مؤسسات التعليم الصحي، واختيار الكوادر واستقطابها؛ ولا شك أيضاً أن مهمة الفالح لن تكون سهلة، ولا يمكن الحكم على نجاحه إلا بعد أن يُعطى المهلة التي تتناسب مع ما ألقي على كاهله من مسؤوليات، والرجل -إن شاء الله- له من اسمه نصيب، وسيكون فالحاً في تحقيق الآمال والتطلعات التي هو أهل لها -إن شاء الله-. أكاديمي وباحث تربوي واجتماعي