بات صـعباً عـــلى المشاهد العربي في بيته متابعة برامج المسابقات الغنائية (ومعها بالطبع برامج المسابقات الأخرى التي تخلط الغناء بهوايات عدة)، إذ تناسلت تلك البرامج ليس في عددها وحسب ولكن كذلك في القنوات التي تقدمها وفي الفنانين الذين يشكلون لجان التحكيم فيها. هي اليوم أقرب إلى «موجة» يحلم بالحضور فيها ملايين الشباب العرب في مختلف بلدانهم ، وقد نراها نحن أيضاً ضرورة لاكتشاف مواهبهم والتعرف الى الناجحين منهم. مع ذلك فالمسألة لا تقف عند النوايا، وما تضمره من رغبة هنا أو هناك لرفد الساحة الفنية العربية بالموهوبين، بل هي تذهب نحو ما تحمله أية «موجة» من ملامح التكرار والضعف رغم الجهود الكبرى التي تبذلها القنوات الفضائية المختلفة لاستقطاب الأكثر موهبة من خلال تصفيات كثيرة تقوم بها في مختلف العواصم العربية. تكاثر هذا النوع من البرامج سمح كما كان متوقعاً لظهور برامج جرى ويجري إعدادها على عجل، فلم تستطع حتى اليوم تقديم أصوات غنائية تتجاوز العادي والمألوف الذي يمتلكه كثر من البشر في العالم، فيما هدف تلك البرامج إكتشاف الأصوات الإستثنائية. مشكلة هذا اللون من البرامج أن بعضه يتأسس وفقاً لرغبة أصحابه في «مجاراة» موجة سائدة، أو اللحاق بحالة رواج، فالأصل هنا ليس الفكرة بذاتها ولكن اللحاق بأسباب نجاح تحمل فرصاً كبرى لترويج المزيد من الإعلانات التجارية . فن الغناء في حالات كهذه يجد نفسه مضطراً للتعايش مع شروط غير فنية بل هي بمعنى ما ضد الفن وعلى حسابه، وهي حالة نرى ملامحها الواضحة في ضعف بنية تلك البرامج وعدم قدرتها على تقديم جوهر الفن. ربما لهذا السبب بالذات نرى أن برامج المسابقات الغنائية لا تتوافر لها أسباب «عميقة» للنجاح خارج الإعداد المسبق، الطويل والمتأني والقادر على «غربلة» المشاركين، فالحديث عن غناء «شعبوي» في فن بالغ النخبوية ليس سوى العبث ولا يمكنه أن يحصد سوى الفشل والسطحية على النحو الذي نراه يسيطر على بعض برامج المسابقات الغنائية الأخيرة. وفي السياق ذاته لا يجوز أن ننسى أهمية انتقاء من هم جديرون بعضوية لجان التحكيم، وعدم الركون لشهرة أصحابها أو رواجهم الإعلامي.