×
محافظة المدينة المنورة

خطيب المسجد النبوي: إنسانية ممارسي التفجير وقتل المصلين طمست

صورة الخبر

بدأت في متابعة مهرجان قرطاج السينمائي (أو كما يطلقون عليه في تونس، أيام قرطاج السينمائية) منذ بداية الثمانينيات الماضية حينما كان زخم السبعينيات لا يزال ممتدا، يفرض نفسه على أجواء المهرجان وعلى برامجه وضيوفه وأحداثه. كان الزمن -لا يزال- زمن بروز السينمات الوطنية في أفريقيا والعالم العربي، زمن التمرد والغضب والثورة على القوالب السينمائية العتيقة، والدعوة إلى خلق سينما جديدة، تتعامل بلغة الحداثة مع الفيلم. وكانت "الأيام السينمائية" تمتد لعشرة أيام، وكنت تشعر أن "الجميع هناك".. أي كل السينمائيين الكبار والشباب من العالم العربي ومن أفريقيا بل ومن العالم الثالث عموما وأيضا كل المهتمين بسينمانا العربية من نقاد أوروبا، جنبا إلى جنب مع كبار السينمائيين في الشمال. كان المهرجان حدثا ثقافيا كبيرا، وكانت تشترك بشكل فعال في تنظيمه، جمعية المخرجين التونسيين، واتحاد نوادي السينما التونسية الذي كان ينتسب له في مطلع الثمانينيات نحو 35 ألف عضو حسبما حدثني وقتها رئيسه منير فلاح. " يتعين عليك أن تزاحم الجمهور حتى تظفر بتذكرة، فلا قيمة للبطاقة الصحفية التي تحملها، وهو أمر لا مثيل له في أي مهرجان في العالم " وقتها، كان اتحاد نوادي السينما يمثل ثقلا كبيرا في الوسط السينمائي التونسي، وقد خرج المهرجان من رحم هذه الجماعة في بدايته قبل أن تحتويه الدولة تدريجيا وتطوعه لمقتضيات السياسة الرسمية، غير أنه ظل محافظا على نوع من الاستقلالية، والانفتاح على التجارب السينمائية الجديدة والطليعية إلى أن ظهر أخيرا تدهوره الملحوظ. اليوم، في ضوء متابعتي للدورة الأخيرة الـ25، بدا لي أن "قرطاج السينمائي" أصبح مهرجانا عجوزا ينوء بحمل لا يقدر عليه، ويوشك على السقوط والتلاشي إن لم يتم على الفور إدخاله "غرفة الإنعاش". امتلأت هذه الدورة بعشرات الأفلام، التي عرضت على مدار سبعة أيام بينما كانت تحتاج لكي تعرض بشكل صحيح، إلى 14 يوما، وهو تكدس غير مفهوم، فمعظم ما يعرض في البرنامج الرسمي للمهرجان مثلا (المسابقات وغيرها) أفلام قديمة أكلت عليها وشربت المهرجانات العربية والعالمية الأخرى، بدءا من فيلم الافتتاح "تمبكتو" الذي عرض في مهرجان كان أي منذ أكثر من ستة أشهر، وحتى "عمر" لهاني أبو أسعد الذي عرضه مهرجان كان 2013 أي منذ أكثر من عام ونصف. خدمات صحفية هناك أيضا غياب كامل كالعادة للخدمات الصحفية، رغم كل ما طرأ على وسائل التخاطب من تطور تقني هائل، فعندما تسأل عن ملف لصور الأفلام يكون متاحا على أسطوانة مدمجة للصحفيين والنقاد مثلا يتطلع إليك الموظف المسؤول كأنك تتحدث عن كائنات فضائية، ثم يحيلك إلى موظفة أخرى تجري اتصالا تليفونيا، ثم تطلب منك بريدك الإلكتروني ثم لا تصل أبدا إلى ما تريده! جمهور المهرجان كبير ويقبل على العروض، لكن المشكلة أن المنظمين لا يتيحون لضيوفهم من الصحفيين والسينمائيين، أي وسيلة لمشاهدة الأفلام سواء في قاعة للعروض الخاصة، أو عن طريق حجز عدد معقول من المقاعد في دور العرض التي تعرض للجمهور. يتعين عليك أن تزاحم الجمهور حتى تظفر بتذكرة، فلا قيمة للبطاقة الصحفية التي تحملها، وهو أمر لا مثيل له في أي مهرجان في العالم. ثم يقال لك إنه يمكنك مشاهدة الأفلام عبر ما يسمى بالفيديوتيكأي عن طريق أسطوانات "دي في دي"، لكنك أولا تكتشف أن المتاح هو فقط أفلام المسابقات، ثم تكتشف أن معظم هذه أسطوانات الأفلام رديئة وغير صالحة للمشاهدة بل تتوقف أثناء العرض، أو أنها نسخ عمل أعدت قبل عمل المكساج وتركيب الموسيقى والمؤثرات. الفيلم التونسي لم أتمكن من مشاهدة الفيلم التونسي الوحيد في المسابقة الرئيسية وهو فيلم "بيدون 2" بسبب الزحام الهائل. ولكني استمعت إلى مناقشة طريفة في الإذاعة التونسية صبيحة اليوم التالي لعرضه، بين مجموعة من المذيعين التونسيين الذين يتمتعون بروح المرح والفكاهة. " لا شك أن إقبال الجمهور ظاهرة جيدة، لكن وماذا عن ضيوف المهرجان، وكيف يمكن أن ينافس مهرجانات أخرى تقام في الشمال والجنوب، بينما هو يتراجع، ويصبح عدد ضيوفه أقل، وعدد أيامه أقل " قال أحدهم إن الكثيرين تزاحموا لمشاهدة الفيلم، ولكن الكثيرين جدا سرعان ما غادروا قاعة العرض بعد أن عجزوا عن فهم أي شيء، أو معرفة سر اختياره دون غيره من الأفلام لتمثيل تونس في المسابقة. وقال مذيع آخر إن المخرج اتهم الجمهور بعد العرض بعدم فهم فيلمه، وقال إنه فيلم "دائري"، وأضاف المذيع -وليس المخرج- أن الكثير من النقاد فتحوا القواميس للبحث عن معنى "فيلم دائري" لكنهم فشلوا، و"غالبا المقصود أنه يبدأ كما ينتهي أي في دائرة تغلق في النهاية". وكان تعليق مذيع ثالث "يبدو أننا دخلنا عصرا جديدا في السينما هو عصر "سينما البيدون"، وهي كلمة في العامية التونسية معناها الدلو (أو الجردل في العامية المصرية)!! لا شك أن إقبال الجمهور ظاهرة جيدة، لكن وماذا عن ضيوف المهرجان، وكيف يمكن أن ينافس قرطاج السينمائي مهرجانات أخرى تقام في الشمال والجنوب، بينما هو يتراجع، ويصبح عدد ضيوفه أقل، وعدد أيامه أقل، وأفلامه تبدو محشورة على نحو عشوائي في عشرات الأقسام والتكريمات المتعددة (بالجملة). هناك أولا قسم بعنوان "طرشقات" كان في حاجة إلى شرح لهذا الاسم الملتبس الذي لم يفهمه أحد، فما المقصود بالطرشقات؟ يتضح من قراءة المعلومات المنشورة في الكتالوغ أن المقصود هو الأفلام العربية المهمشة. كيف ومعظم ما ينتج من أفلام في العالم العربي من أفلام باستثناء الأفلام التجارية المصرية، هي أفلام مهمشة. عن التكريمات عشوائية التكريمات تتضح أيضا عندما نرى أنهم يكرمون الفرنسي موريس بيالا (المتوفي من 2003) والناصر خمير (متعه الله بالصحة والعافية) وستيفن فريريز البريطاني، وعمر أميرالاي السوري الراحل، والمخرج الأفريقي سامبا فيليكس نداي، وكل هؤلاء تعرض لهم أفلام، كما يكرمون ويحتفون بالسينما الرومانية والتشيلية، ويعرضون مختارات من أفلام الدولتين، في زحام مخيف لا يعكس اهتماما معينا يتم التركيز عليه مثلا، أو "تيمة" معينة بل لا يعدو الأمر "سلة عشوائية" من الأفلام والسلام. وكأن العدد هو ما يهم الآن، علما بأن معظم هذه الأفلام لم تعرض سوى مرة واحدة فقط، وهو ما يخالف شروط العرض في المهرجانات الدولية، كما يحرم الراغبون من مشاهدة الفيلم، خاصة أن الأفلام تعرض في قاعات صغيرة، الكثير منها غير صالح للعرض السينمائي الجيد، كما رأينا في قاعة سينما "الكوليزيه" كمثال. تلك القاعة في حاجة إلى الترميم واستعادة بهائها وجمالها السابق عندما كانت تستقبل الافتتاح والختام وعروض المسابقة، ولكن هذا كان في عصر آخر، قبل أن يلحق التدهور بهذا المهرجان ويجعله كالرجل المريض، يحتاج إنقاذا عاجلا بعد أن أصبح عاجزا عن اكتشاف الجديد، ولم يعد -كما كان- بوصلة حقيقية للسينما العربية والأفريقية. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ * كاتب وناقد سينمائي مصري