التفاوت في القدرات والكفاءة سنة كونية، فهناك القويّ والضعيف والذكي والأقل ذكاءً وهكذا..، لكن هذا لا يعني أن يجد الكفء فرصة في وقت لا يجد الأقل كفاءة فرصة له. فربما يكون ضعيف البنية مبدعاً في عمل لا يستوجب جهداً بدنياً والعكس صحيح. إصرار بعض الأسر في المملكة أن يرتاد أبناؤهم الجامعات بالرغم من كونهم غير مؤهلين أو غير راغبين يجعل منهم في نهاية المطاف عالة على المجتمع، وبالتالي عائلاتهم التي دفعتهم ليسلكوا طريق التعليم العالي. في البداية يجب أن نعلم أن المجتمع السعودي هو مجتمع شاب؛ وهذا يعني أننا نمتلك كنزاً لا يقدر بثمن، تسعى نحو هذه الميزة كثير من المجتمعات التي تعاني الشيخوخة، ومنها دول صناعية ريادية في شرق آسيا، وغرب أوروبا، لكن في ذات الوقت هذا الكنز من الحيوية والنشاط يجب أن يستغل، فما الفائدة من النظر إلى هذه الثروة دون توظيفها في مكانها المناسب، وأفضل ما يمكن أن نقوم به هو خلق مسارات تجعل للشاب في المملكة خياراً يسلكه بعد أن تنقضي سنوات المرحلة المدرسية. فمن خلال هذا المسار يبدع إما في مصنع أو عمل حر. الإشكالية أن الشباب السعودي الذي لا يرغب في التعليم العالي لأي سبب من الأسباب يجد نفسه مرغماً أن يتوجه إلى أي جامعة أو كلية من أجل نيل "الورقة " التي يطلق عليها شهادة جامعية، إما بسبب ثقافي يتعلق بالمجتمع والعائلة التي أصبح لزاماً على كل أفراد العائلة أن يصبحوا جامعيين، أو بسبب يتعلق بفرصة حصول خريجي المعاهد على الوظائف. إذن نجد أنفسنا مطالبين ثقافياً ونظامياً أن نعالج هذا الموضوع بدءاً من المدرسة لتغيير تلك الثقافة مروراً بالأسرة، وهذا لا يتم عنوة بل من خلال مصارحة الأهالي والأسر عن معدلات ذكاء أطفالهم، وقدراتهم العقلية، ومهاراتهم البدنية والحرفية، وهذا يلقي بظلاله على ضرورة الأنشطة اللاصفية، وأهميتها في تقييم الطالب، ومن خلال ذلك التوضيح العلمي يمكن أن تقتنع الأسرة بحجم إمكانيات ابنها، فتدفعه إلى المجال الذي يتلاءم مع تلك المعطيات، وعدم تضييع وقته في الجامعة، التي سيتخرج منها بتقدير لا يؤهله للعمل في تخصص لم يختره في الأساس ولا يتناسب مع طموحاته، ويدخله في دهاليز البطالة وهو أمر يلقي بظلال ثقيلة على خطط الحكومة في التقليص من حجم ومعدلات البطالة. الأمر المهم هنا هو وجوب تهيئة الأنظمة الاقتصادية والتجارية والتعليمية لتحسين صورة خريجي المعاهد الفنية، إما بجودة ما يتعلمونه خلال فترة دراستهم أو الفرص المتاحة لهم بعد التخرج، وهذا يتطلب شراكة مع القطاع الخاص بحيث يتم تصميم المناهج الدراسية المتوائمة مع متطلبات الشركات، مع إلزام ذلك القطاع خصوصاً الشركات الكبرى في المملكة توظيف وتأهيل السعوديين في المجال الذي تعمل فيه، علماً أن مشروعات البنى التحتية التي نراها في أنحاء المملكة تتيح لنا فرصة ذهبية لإعداد أيدٍ عاملة ذات قدرات كبيرة، إذ إن مشروعاً كمترو الرياض على سبيل المثال، يشهد تحالف شركات عالمية كبرى يجدر بنا أن إلزامها على توظيف السعوديين ليس كإداريين بل كفنيين ومشغلين، فهذا النوع من الوظائف سيسمح باكتساب الخبرات والتدريب في المصانع الكبرى لهذه الشركات العملاقة ومن خلالها يصبح هذا النوع من التعليم مغرياً ومرغوباً مع ضرورة لتحديد سقف للرواتب الذي تتقاضاه اليد العاملة السعودية.