بمناسبة مرور 100 يوم على تولي الملك سلمان بن عبدالعزيز مقاليد الحكم، كانت هناك برامج تلفزيونية تركز على أهم تلك الإنجازات على مستويات داخلية وإقليمية ودولية. كانت البرامج التلفزيونية متنوعة؛ بين حوارية وأخرى ذات صبغة وثائقية، والحقيقة أن من أهم البرامج الذي كان لها صدى واسع على المستوى الشعبي، هو ما بثته قناة «العربية» لبرنامج وثائقي على ثلاثة أجزاء عن هذه المناسبة المهمة، وأعتقد بأن من أسباب تحقيق البرنامج نسبة مشاهدة مرتفعة؛ الشفافية التي تضمنها البرنامج عما يدور في مجلس الاقتصاد والتنمية. قبل هذا البرنامج كنا نقرأ وفي خبر مقتضب في الصحف المحلية عن انعقاد هذا المجلس، ولكن لم نكن نعرف ما يناقَش فيه أو الآلية التي تُناقَش بها قضايا حيوية تهم المواطنين والوطن. منذ عشرات السنين كانت لدينا مجالس حكومية، ولاسيما الاقتصادية، ولكن لم نعرف كيف تناقَش بها قضايانا ولا نعرف حتى القضايا التي تناقش أو ما تم التوصل إليه من قرارات، والتي قد تأخذ وقتاً طويلاً للإعلان عنها. أما تطبيق تلك القرارات الصادرة فتلك حكاية أخرى. من خلال برنامج «العربية» شاهدنا بالحقيقة درجة عالية من الشفافية في مناقشة بعض القضايا المهمة، بعيداً عن الرسمية، ويتضح من ذلك أن الجو العام بالمجلس يسمح لأعضائه بالنقد الصريح للملف المطروح بكل وضوح، فمن المفردات التي شدتني في تلك اللقطات هي مفردة الفساد التي تكررت في النقاش، وهذه -باعتقادي- جزئية مهمة تؤكد أن لا خطوط حمراء في مداولات المجلس، وكلنا يعرف أن الفساد الإداري والمالي سبب رئيس في تعطل الكثير من مشاريعنا الخدمية، على رغم وجود هيئة وطنية لمكافحة الفساد، والتي يبدو أنها اكتفت بالرسائل التوعوية لمحاربة الفساد، وقد يكون نظامها الأساسي لم يعطها صلاحيات فعلية للقضاء على هذه الآفة المدمرة. باعتقادي، أن تصل الهموم الشعبية إلى طاولة هذا المجلس لَهو خطوة عملية وشجاعة من القائمين عليه، وعلى رأسهم الرجل الثالث في هرم السلطة السياسية في البلد، متمثلة بالأمير محمد بن سلمان؛ ليبعث رسالة واضحة للجميع بأن التقصير من أي مسؤول لا يمكن التغاضي عنه، وأن المحاسبة لأي جهة رسمية ستكون آنية وسريعة، وهذا -في رأيي- ما يتطلبه الوضع في الكثير من المجالات التي لها تماسٌّ بالمواطن بشكل مباشر، فالمعالجة السريعة لجوانب القصور في أداء المؤسسات الحكومية أعتبره حالة غير قابلة للتأجيل والدراسات واللجان، فنحن -كما يعرف الجميع- مجتمع لا يعرف ثقافة الاستقالة في حال الفشل من بعض المسؤولين الذين ثبت ضعف أدائهم على رغم طول بقائهم في مناصبهم. من الجوانب التي سمعناها في برنامج قناة العربية، قضية التستر التي يقوم بها بعض المواطنين مع الأجانب، والتي يكون النشاط التجاري مسجلاً رسمياً باسم المواطن، ولكن من يقوم بالعمل الفعلي ويستحوذ على النصيب الأكبر من المكاسب هو الوافد الأجنبي، وهذه قضية الكل يعرفها ويناقشها منذ الأزل، ولكن الحل مفقود حتى الآن، ويكتفى فقط بإعلان قيمة تحويلات الأجانب إلى الخارج، والتي تصل إلى بلايين الريالات وتزيد في كل عام. هذه الأرقام صادمة لنا، ولكن الحلول غائبة، فلا برامج عملية من المؤسسات الرسمية، مثلاً كالتعليم الفني؛ لمعالجة ومعرفة أسباب عدم انخراط الشباب السعودي في تلك الأنشطة، التي يحتلها الأجانب وبأسماء مواطنين. من حقنا أن نعول على هذا المجلس في إيجاد حلول جذرية لهذه المشكلات وغيرها، ولاسيما في المجالات الخدمية، من صحة وتعليم وإسكان وخدمات طرق، وكل ما له علاقة بها مثل الخدمات المتهالكة على طرقنا الرئيسة.