في منتجع كامب ديفيد القريب من العاصمة الأميركية واشنطن، كان لقاء قادة دول الخليج بالرئيس الأميركي باراك أوباما وأركان إدارته. كل شيء كان محاطاً بالسرية التامة، عدا الصور التي فسّرت للمتابعين أن الرئيس الأميركي كان مهتماً باللقاء إلى درجة لافتة للأنظار، على رغم غموض أبعاده التي لم تكن واضحة، قابله قلق قادة دول الخليج من مواقف إدارة أميركية مُترددة ومُتقلبة، ولم يعد الوثوق بها مُحصّناً كما كان في عهد الرئيس جورج بوش «الأب»، والتعليقات الصحافية العالمية في مجملها منحت دول الخليج العربي حق القلق وعدم الثقة بإدارة الرئيس باراك أوباما. ملخص ما نُشر عن قمة نتائج منتجع كامب ديفيد، تعهدات أميركية شفهية، غير مُدوّنة بوثيقة رسمية؛ لحماية دول الخليج من التهديدات الخارجية، واتفاق على مناقشة مشروع تسليح ضخم يُعزّز من قدرات دول الخليج؛ للدفاع عن حدودها ضد الأخطار الخارجية، وفي هذا مكاسب كبيرة جداً لمصانع الأسلحة الأميركية، وكما يبدو للمتابعين فإن هذه التعهدات الأميركية في مقابل أن يقف الرئيس الأميركي أمام الكونغرس، ليقول: إن دول الخليج لا تمانع من الاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني الذي تم التوصل إليه أخيراً، ويسعى جاهداً لتمريره بموافقة الغالبية. ونستدرك كمتابعين خليجيين تحفهم الأخطار من كل حدب وصوب الأسئلة المشروعة، لماذا ودول الخليج هي المُستهدفة لم تُستشر أو تكن صانعاً مشاركاً لوثيقة الاتفاق للبرنامج النووي الإيراني؟ ولماذا يتم التعامل معها على أساس الأمر الواقع، والترضية بتعهدات غير مكتوبة، ومن ثم هي غير مُلزمة للإدارة الأميركية؟ وكيف وصل الأمر بالإدارة الأميركية إلى الاستخفاف بعقول العرب والضغط عليهم؛ لقبول تعهدات شفهية، وليست التزامات مكتوبة كتلك التي تمت بين الولايات المتحدة الأميركية مع اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان؟ ألا يكفي العرب الاستفادة من مسلسل التعهدات الأميركية الكاذبة الممتدة منذ أكثر من ستة عقود بشأن القضية الفلسطينية، وما آلت إليه الأوضاع العربية بشكل عام؟ لم تعد الأوضاع الإقليمية المُشبعة بالخطورة تحتمل التردد أو الضعف والمجاملة، لأن أوراق التهديدات الإيرانية الأكثر خطورة أصبحت مفضوحة، بعد أن تحولت من ثقافة التقية والتبعية والخطب الوعظية، إلى عمل سياسي ولوجستي ودعم ومشاركات عسكرية قيادية وميدانية على المكشوف، وأكثر من يتتبعها ويعرف أدق تفاصيلها أجهزة الاستخبارات الأميركية، إذاً بماذا تُفكّر الإدارة الأميركية، وإلى أين نحن ذاهبون؟ أكثر ما يُثير قلقي في أي اتفاق تُبرمه الإدارة الأميركية يتعلق بالشرق الأوسط، هو الصمت الإسرائيلي عن الاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني، الذي تدرّج نزولاً إلى درجة أشم معها رائحة مصيبة كُبرى ستحل بالمنطقة العربية، أعظم من تلك التي حدثت بعد «اتفاقية سايكس-بيكو» مُظلمة العواقب، وربما يُحيط بالخريطة العربية أمران واقعان لقوتين مُتّفقتين على هيمنة إسرائيلية ورعب آيديولوجي إيراني، وأرجو ألا يتعدى ما ذهبتُ إليه في أسطر هذه المقالة فقط، ويكون مُجرد أضغاث أحلام كاتب أضناه القلق. أمام مشاهد القتل والتدمير وإثارة القلاقل والفتن في الوطن العربي، التي يقوم بها النظام الإيراني الفارسي، لا أستطيع أن أصف جهود الرئيس الأميركي باراك أوباما إلا بأنها محاولات جادة لتبييض السياسة الإيرانية السوداء، في العراق وسورية ولبنان واليمن، ومنحها أمام الرأي العام العالمي شهادة «اتفاق» لا تستحقه، وبراءة من حظر دولي مُستحق، وأن الرئيس أوباما بهذه الحماسة للترويج لمشروع البرنامج النووي الإيراني، يعلم أو هو لا يعلم، سيُنفّس عن ضائقة داخلية عسيرة يواجهها النظام مع الشعب الإيراني، وتكاد في أي وقــت تنفجر بثورة ستُغيّر الأوضاع برمّتها رأساً على عقب. لقد أُعجبتُ كثيراً بالالتفاف والتماسك والتفاهم بين قادة دول الخليج العربي قبل وأثناء قمة منتجع كامب ديفيد، وهذا هو ما يجب أن يكون، لأن منطقة الخليج تواجه أخطاراً حقيقية ومصيرية، وأرجو مُخلصاً كما هي أمنيات وتطلعات جميع شعوب دول الخليج والأمة العربية، أن يستمر هذا التماسك وصلابة المواقف ووحدتها، ولم يعد ممكناً أو مقبولاً الرضا بوعود أو تعهدات تذهب أدراج الرياح بمجرد مغادرة أماكن الاجتماعات، أو التغيير من إدارة إلى إدارة أخرى، كما أرى من المهم جداً تتبع وتحليل الموقف الإسرائيلي مما يحدث من تطور في العلاقات الأميركية-الإيرانية؛ لأن فيها ومنها مربط فرس.