أحياناً يصل فينا الغضب درجة تجعلك تكره كل ما يسمى مدنية أو حضارة حديثة ذلك لأن ساعات الشقاء والعناء والتعب والملل والضجر تفوق ساعات الهدوء والسكينة. تغيرت الحياة، تشعبت وتعقدت وأصبح الهم الوحيد في حياة الناس هو انقضاء اليوم على خير بدون زعل أو نكد أو قلق أو مصيبة لا سمح الله. لم نعد نهنأ في داخل المنازل ولا خارجها، ضجر وازعاج وضوضاء وهي كلها أمور حتميّة فرضتها حياة المدنية ولا نستطيع الإفلات منها ولكنها وعند البعض تجعلك تتذكر أيام الماضي السعيد والزمن الجميل أو لمن لا يتذكر ذلك الماضي فليقارن حياة القاطنين خارج نطاق المدن على ما ينعمون به من هدوء أعصاب وسلاسة معيشة وبحد أدنى من الإزعاج الذي فرضته الحضارة والمدنية، أصبح كل منزل أو كل أسرة تشتكي وعلى سبيل المثال نتائج اختبارات القدرات والتحصيلي مروراً بشروط القبول في الجامعة وقس على ذلك، أصبح كل منزل يشتكي من سائق أو خادمة أو صعوبة الحصول على ذلك والمبالغ الخيالية التي يصرفونها لاستقدام عمالة منزلية وفي لحظات يغادر السائق أو الخادمة وبكل يسر وسهولة تضيع الحقوق، بينما في الماضي وزمنه الجميل كانت الخادمة تأتي لتعمل أو كما يقال عنها تجاود ربة البيت أثناء النهار وبمبالغ بسيطة ومن ثم تتناول ما تيسر لها من الأكل وتغط في قيلولة أو تنتظر حتى العصر بعد أن تخف درجة حرارة الجو وتتسهل إلى بيتها وغالبيتهن من الجنسية الأفريقية ويعملن في أكثر من مهنة مثل بيع اللوز والجوز إلى خدمة المنازل وكلها أمور ميسرة في ذلك الزمن الجميل. وماذا عسانا نقول عن الألفة والمحبة والاحترام بين الأسر في الحي الواحد، كانت الحياة بسيطة جداً رغم ما بها من عوز لكنها لم تصل يوماً إلى درجة الازعاج التي نعيشها الآن في المدن وقلبت حياتنا رأساً على عقب وجعلتنا متوترين، مكتئبين، قلقين وخائفين من مستجدات الأمور السلبية التي يتوقعها الجميع أن تحدث لهم في أي لحظة، وهذا مرده في الأساس إلى عدم الراحة والاطمئنان وأحياناً القناعة بما لدينا أو ما نملك وترى الجميع على حافة الهاوية أو هو يشعر بذلك لا سمح الله. قطعاً نحن نحتاج إلى مجلدات للكتابة والمقارنة بين الماضي الجميل والحاضر المزعج وكل الناس تعرف الفوارق وتدركها لكن الشيء الذي نعرفه وننكره في ذات الوقت هو الحقيقة التي تقول اننا جميعاً وقعنا في فخ المدنية وبهرجتها حتى أننا اعتمدنا عليها وجعلت كل الناس مملوكين لها ولا يستطيع أحد الإفلات من كماشتها أو الهروب منها. أصبح الفرد منّا يتمنى سويعات من النوم الهادئ العميق أو يحلم بجلسة هادئة في هواء عليل نقي خال من عوادم المركبات أو الفوضى المرورية التي تجعل أعصابك متوترة، ولك أن تحسب كمية الضرر الحاصل على الجسم من ذلك كله.. ليس هناك علاج لإزعاج المدن فهو مرض مزمن لكن الهروب منه ممكن ولو لفترات بسيطة بفسحة هنا أو سفرة هناك، لعلها تعيد برمجة الجسم إلى طبيعته وتضخ فيه نوعاً من الصحة المتجددة التي تقودنا للأمل والتفاؤل بعد أن تحمّل العقل والجسم الكثير من المنغصات حتى فقدنا التركيز وقلّت انتاجيتنا في ظل تلك الظروف المتبدلة وعلى إيقاع مسرع فوصل الأمر إلى انقضاء الأسبوع والشهر بسرعة فائقة أربكت وتيرة الحياة ولم تعد الساعات أو الأيام تكفي لمتطلباتها ويأمن الخائفون. استشاري إدارة تشغيل المستشفيات وبرامج الرعاية الصحية