في الملتقى الأول للإعلام البترولي لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية الذي عقد في دولة الكويت قبل نحو عامين، وفي الملتقى الثاني الذي عقد مؤخراً (خلال الفترة من 42 22 مارس/آذار 2015) في العاصمة السعودية الرياض، ارتفعت الشكوى من الفجوة الكبيرة التي تفصل بين مستوى وقوة وحضور الإعلام الاقتصادي، وبضمنه الإعلام البترولي المتخصص، في البلدان الغربية المتقدمة، وبين المستوى المتواضع لقرينه الإعلام الاقتصادي والبترولي في دول مجلس التعاون. وهي شكوى سيظل صداها يتردد حتى في ملتقى الإعلام البترولي الثالث الذي سوف تستضيفه دولة الإمارات العربية المتحدة بعد نحو سنتين، في ظل وضوح الفارق بين المستوى المتقدم جداً الذي حققته القطاعات البترولية وصناعاتها التفريعية في دول المجلس، والدور الريادي الذي لايزال يلعبه قطاع الهيدروكروبون في اقتصاداتها الوطنية، وبين المستوى الخفيض الذي بلغه الإعلام البترولي في دول المجلس. وسبب ذلك عدم توقع حدوث تغيير جوهري في العوامل المسببة لاستمرار حالة اللاتوازن في ميزان القوى بين متغيرَي المعادلة، وهما الإعلام الغربي المتخصص ونظيره في دول مجلس التعاون، على الأقل خلال الفترة الممتدة حتى انعقاد الملتقى البترولي الثالث. صحيح أن هناك اهتماماً مستجداً ومتنامياً بالوضع الحالي غير المريح لإعلامنا البترولي (في دول مجلس التعاون)، يثبته تجسيد فكرة عقد مؤتمر أو ملتقى للإعلام البترولي على أرض الواقع، وهو ما يسجل للأمانة العامة لمجلس التعاون وكذلك، وعلى نحو خاص، للجنة التعاون بين دول المجلس في مجال الإعلام البترولي. وما يعزز الاعتقاد بجدية هذا الاهتمام، هو عدم انقطاع هذا الحماس بانعقاد الملتقى الأول وإنما جرى السير قدماً لعقد الدورة الثانية للملتقى، وها هو الملتقى الثالث يتم تقريره وتقرير مكان انعقاد دورته الثالثة (أبوظبي) خلال حفل افتتاح أعمال الملتقى الثاني بحضور وزراء النفط والطاقة بدول المجلس. ولكن سوف يظل دائماً فارق بين المناقشات والمداولات والتشخيصات لعلّة الموضوع وبين المبادرات العملية المتخذة سريعاً وعلى أرض الواقع، وهو ما يتوجب علينا دائماً التنبيه له والتذكير به. ولذا سوف تبقى تُشغلنا وتشكل محور اهتمامنا في هذا الجانب، تلك الجزئية المتعلقة بكيفية تشكيل وصياغة وبث الإعلام الغربي لمقارباته، التقريرية والتحليلية، الخاصة بأوضاع وبيانات سوق النفط العالمية. فهذه الجزئية هي التي تشكل الأساس لضعف الثقة من جانب الدول المنتجة والمصدرة للبترول، لاسيما الأقطار الأعضاء في منظمتي أوبك وأوابك، في طريقة إخراج تناولات أجهزة الميديا الغربية المتخصصة لتحركات السوق مداً وجزراً. وهو ما ينطبق على ما كنت أشرت إليه في مقال سابق حول الدور اللوجستي الذي تلعبه وسائط الإعلام الغربية، لاسيما المتخصصة منها في الشأن الاقتصادي، ضمن مجموعة العوامل الفنية غير الاقتصادية في تحريك دالّتي العرض والطلب على النفط وترتيباً سعر برميله، بتذبذبات طفيفة، في الأوقات الطبيعية، وحادة في أوقات ارتفاع منسوب الضغط على العرض أو الطلب في اسواق التداول السلعي البترولي. وكنت أوضحت في تعقيباتي في الملتقى أن علينا أن نتحول بتركيزنا في ملتقى الإعلام البترولي الثالث الذي ستستضيفه دولة الإمارات، من الاكتفاء بالتوقف عند واقع عدم ارتقاء إعلامنا البترولي إلى مستوى التحدي الذي تمثله المرئيات الخاصة للإعلام الغربي، إلى العمل على تجاوز هذا الواقع من خلال وضع دراسة تحليل الفجوة (Gap Analysis) للإمكانات المادية والبشرية التي يحوزها الإعلام البترولي الخليجي حالياً وتلك التي يتعين عليه حيازتها لتجسير هذه الفجوة. ولكي نضع يدنا بدقة على السبب الجوهري في وجود هذه الفجوة، منذ نشوئها قبل عشرات السنين، يتعين علينا الأخذ في الاعتبار مسألتين رئيسيتين في غاية الأهمية هاهنا، وهما: 1. إن السبب الأول لقيام هذه المؤسسات الإعلامية (الغربية) التي تُعنى بالشؤون الاقتصادية الدولية، وبضمنها وفي مقدمتها صناعة النفط وتجارته، هو وجود طلب كبير جداً على المعلومة البترولية في هذه المراكز الاقتصادية (الغربية) بحكم كونها دولاً مستوردة صافية للسلعة موضوع المعلومة وهي هنا النفط، ما يعني توفر الجدوى الاقتصادية لإنشاء الأدوات الإعلامية المختصة بالبحث عن كل ما يتعلق بهذه السلعة من معلومات، وتحليلها وتوزيعها على كافة طالبي هذه الخدمة الإعلامية. فيكون الطلب، على المعلومة البترولية، بهذا المعنى، هو جوهر هذه الفجوة. بالمقابل، فإنه وبحكم أن بلداننا الخليجية هي بحالتها دول منتجة ومصدرة لهذه السلعة، أي النفط، وليست مستهلكة لها، فإن من الطبيعي أن ينتفي فيها الطلب على المعلومة النفطية كلياً، على الأقل حتى الوقت القريب، أي قبل إثارة موضوعها والتفكير في كيفية معالجة فجوتها. فمنتِج السلعة ومصدِّرها، لديه كل المعلومات المتعلقة بالسلعة. بل إن العكس هو الصحيح، إذ إن مصلحته تقتضي حجب كل المعلومات المتعلقة بإنتاجها، من مخزونها الاحتياطي وكميات إنتاجه، وما يفرد منها للصناعات التحويلية، التكريرية والبتروكيماوية، والكميات الداخلة والخارجة من خطوط الإنتاج ونحوها، وحجبها عن المستهلك، وذلك بدافع المحافظة على التنافسية السعرية في أسواق الاستيراد. 2 . إن مراكز تداول هذه السلعة (النفط)، وهي هنا بورصات النفط العالمية الرئيسية، موجودة في الدول الغربية المستهلكة للنفط. ومن البديهي أن يخلق وجود هذه البورصات طلباً قوياً على المعلومات الخاصة بهذه السلعة، ما ينهض سبباً معززاً لنشوء الوكالات المتخصصة في جمع وتداول وتحليل هذه المعلومات. وعلى ذلك يصبح محتماً على دول التعاون في خضم بحثها عن سبل لتضييق هذه الفجوة المعلوماتية النفطية، أن تركز على كيفية إنشاء وقائع على الأرض تجعل الطلب المحلي على المعلومة النفطية لديها، حاجة ملحة. ولعل اقتراح وزير البترول والثروة المعدنية السعودي على النعيمي الذي طرحه في الجلسة الافتتاحية لملتقى الإعلام البترولي الثاني، بإنشاء جمعية للمختصين الخليجيين في الإعلام البترولي بدول مجلس التعاون، والذي حظي بمباركة ودعم بقية وزراء الطاقة والنفط في دول المجلس، يشكل أحد مفاتيح المبادرات العملية التي يمكن أن تسهم في حلحلة الواقع على الأرض بالنسبة للفجوة الإعلامية المشار إليها.