هناك أدب تراثي معاصر وحديث في نفس الوقت نظراً لسيران سنوات الزمن في الوجود الانساني، والدكتور راشد البراوي أديب من هذا القبيل، يمتلك فكراً أدبياً وثقافياً، فهو يعد من رواد الثقافة والفكر في مصر، ولد فيها في الثلاثينيات من القرن العشرين، وأحاط بعلم وافر من الدراسة العامة والعلم الأكاديمي والفكر الإٍسلامي والثقافة العربية، فغدا من المؤلفين الموسوعيين والمفكرين في مجالات المعرفة والاجتماع والعلوم الإنسانية بما في ذلك الأدب والتاريخ والسياسة والاقتصاد. فهو في ذلك كله عبقري بارع يعمل البحوث المعرفية ويشتغل بالأعمال الفكرية ويصدرها في كتب ودراسات وموسوعات ومؤلفات علمية وثقافية واجتماعية في أسلوب من اللغة باللغة ومن التبيين مبين، ومن المعرفة معرفة. كان فكره متقداً منذ فتوته الباكرة، وثقافته جمة منذ البداية في عالمه المعرفي ودنياه الكتابية ودراسته الإنسانية، فاستطاع أن يكون نظرية في هذه الأكوان والمعالم بما أطلع عليه من الثقافة في مجمل من المعلومات والمعارف والتمحيص العلمي والتجريب العملي والإنتاج الفكري وبالتالي أخرج مجموعة من المؤلفات الثقافية في المعرفة الإنسانية والاقتصاد المجتمعي وعلم السياسة العالمي، ولكن الأهم من ذلك في عالمنا الأدبي والثقافي هو المجال. المجال التاريخي الذي دخله الدكتور راشد البراوي من أوسع أبوابه، حيث عكف عبر السنين.. سنين حياته على مصادر هذا التاريخ ومراجعة وموسوعاته كتاريخ الطبري، وتاريخ ابن كثير، وتاريخ ابن الوردي، وابن خلدون، وفي التاريخ المعاصر مثل أعلام خير الدين الزركلي وكتب محمد عبدالله عنان ومعجم المؤلفين لعمر رضا كحالة. هذا التراث التاريخي الذي كتب بتناول مؤلفيه طرحاً وأسلوباً وبياناً أضف إلى ذلك غزارة المعلومات ومواقف الرجال من العلماء والأدباء والفاتحين والساسة والتجار والاقتصاديين والجغرافيين إلى آخر تاريخ الرجال في سائر المجالات العلمية والعملية والدينية والأدبية والفكرية والثقافية والمعنوية. والمفكر التاريخي راشد البراوي يرى ان التاريخي هو ليس الذي يسجل الأحداث، وإنما المؤرخ أو رجل التاريخ إنما هو الذي يقف برأيه في كافة المناشط، وصاحب السيرة وشتى العناصر التي ينبغي أن تكتب السير بها عبر الرؤية الثقافية وإلتقاط العبرة والدرس التاريخي الأغر من خلال الكون والحركة البشرية والسجال الخطابي المعنوي مع إضافة حسن التناول وإبراز الأسس، أسس بناء الدولة والإنسان الذي يشترك في صنع التاريخ. لذا فالبراوي بدأ كتابه "قادة الفكر الإسلامي في ضوء الفكر الحديث" الذي صدر عام 1969م عن مكتبة النهضة المصرية بالقاهرة بالقول: "ونحن إذ نختار الطبري وابن خلدون والمقريزي للحديث عنهم، فلأن أولهم يمثل اتجاهاً كان سائداً وهو كتابة التاريخ العام، ولأننا نعده بحق إمام ممثلي هذا الاتجاه "قادة الفكر: ص 12". ومن رأى المؤلف البراوي في ابن خلدون: "إنه المؤرخ الفيلسوف حتى وإن لم يلتزم تماماً في "العبر" بما سنه من قواعد في المقدمة". وأما من اختياره للمقريزي فلأنه أعظم من يمثل التاريخ الإقليمي الذي يأخذ ببعض من فلسفة ابن خلدون. إن هذه النصوص تمثل الرؤية المؤلف البراوي نحو التاريخ العربي الإسلامي أو لنقل نظرته الفكرية تجاه التاريخ العام الذي يمثل السجل التاريخي العام للأمة من مواقف وأحداث وسير وتراجم وتحليلات وجرح وتعديل وهوامش وآراء ومتوناً وحواش. هذه الرؤية الثقافية تجاه التاريخ لهي شأن المؤرخ وليست رؤية المتفلسف أو الكاتب المتدخل على النص التاريخي أو شأن المنظر