صدر حديثا عن دار«Alfred A. Knopf» الأميركية للنشر كتاب نقدي جديد تحت عنوان «نساء ذوات إرادة» للكاتبة البريطانية الأصل تينا باكر المقيمة منذ سنوات في الولايات المتحدة، وهو الكتاب الذي تسلط المؤلفة من خلاله ضوءا تحليليا على مراحل تطور بطلات مسرحيات كاتب الدراما المسرحية الانكليزي الأشهر ويليام شكسبير. وفي التالي ترجمة لمقالة نقدية نشرتها صحيفة نيويورك تايمز الأميركية حول ذلك الكتاب: ونحن على أعتاب الذكرى السنوية الـ 400 لوفاة الكاتب المسرحي الانكليزي الأشهر ويليام شكسبير، تبدو أعماله أكثر حداثة جذريا من أي وقت مضى. فتلك الأعمال لا تكتفي فقط بتوقع نظرة لعالمنا المعاصر كمكان غير عقلاني وفي مهب تقلبات الزمن، ولكنها تتنبأ أيضا بفن ما بعد الحداثة الذي من شأنه إعادة اختراع الأنواع الفنية التقليدية، بينما تخلط ما بين الاستعارات العالية والمنخفضة وتحطم «الجدار الرابع». وفي الوقت نفسه، كان شكسبير يستحدث ويقدم من خلال مسرحياته شخصيات ذات أعماق وجدانية ونفسية جديدة ومثيرة للاهتمام، بما في ذلك شخصيات بطلات تتسم بالتحمس والصراحة مثل شخصية بياتريس في مسرحية «Much Ado About Nothing» («الكثير من الضجة حول لاشيء») وشخصية روزاليند في مسرحية «As You Like It» («كما تحبها»)، وهما الشخصيتان اللتان تبدوان أكثر انتماء إلى عالمنا الراهن اكثر من انتمائهما إلى عصر انكلترا الإليزابيثية، حيث لم يكن يسمح للنساء حتى بالتمثيل على خشبة المسرح. وفي كتابها الرائع الأخاذ الجديد، وإن لم يكن مقنعا دائما، والذي صدر حديثا تحت عنوان «نساء ذوات إرادة»، تقدم المؤلفة الأميركية تينا باكر- المدير الفني المؤسس لمؤسسة شكسبير أند كومباني في لينوكس بولاية ماساشوستس الأميركية - نظرة تفصيلية وتحليلية على بطلات مسرحيات شكسبير، مؤكدة أن تلك البطلات تشكل تطورا تقدميا على مر السنين، وهو التطور الذي يتتبع مسار نمو شكسبير الروحي ورؤيته المتطورة إزاء العالم. وتحدد باكر في كتابها الجديد 5 مراحل في «البورتريه» الخاص بالشخصيات النسائية التي كانت بطلات لمسرحيات شكسبير، ألا وهي: - المرحلة الأولى: في أوائل مسرحياته، مثل مسرحية «ترويض النمرة»، تقول المؤلفة إن الشخصيات النسائية تميل إلى أن تكون لعجائز شمطاوات متغطرسات أو عذراوات مثاليات ومطيعات. - المرحلة الثانية: في مسرحيات مثل «روميو وجولييت» و «Much Ado About Nothing»، تحدث نقلة نوعية و يصور شكسبير النساء ليس كخصمات مشاكسات ولكن كـ«كائنات بشرية كاملة» وكشريكات على قدم المساواة في الحب. - المرحلة الثالثة: في مسرحيات الفترة المتوسطة، مثل مسرحيات «كما تحبها» و«يوليوس قيصر» و«الليلة الثانية عشرة»، تقول باكر إن نساء مسرحيات شكسبير يقلن الحقيقة بجرأة، بغض النظر عن العواقب. - المرحلة الرابعة: في «ماكبث» و «كوريولانوس» تتخلى بطلات مسرحيات شكسبير عن مواهبهن الأكثر نعومة وأنوثة و«يشجعن المؤسسات الحربية الذكورية، كما يشجعن النزعة التسلطية العدوانية في الحكومة» مع حدوث عواقب وخيمة من وراء ذلك. - المرحلة الخامسة: في المسرحيات الرومانسية المتأخرة، مثل مسرحية «العاصفة» و مسرحية «حكاية الشتاء»، نجد أن بناتا وفنانات (يجسدن السمتين «الأنثويتين» المتمثلتين في التعاطف والإبداع) يقدمن وعد النهضة والتجديد، وإمكانية الارتقاء. لكن عندما يتعلق الأمر برسم العلاقات الارتباطية بين حياة شكسبير والفن، فإن مؤلفة الكتاب تنغمس في الكثير من المحاججة المنطقية التأملية، وهي المحاججة التي تنبع بحرية وأحيانا من غير تكلف من حفنة الحقائق السطحية المعروفة، وذلك من أجل خلق تأكيدات تستدعي التساؤل أو تأكيدات تبسيطية في بعض الأحيان. وأبرز مثال على ذلك هو أن مؤلفة الكتاب تدّعي أن التحول في فهم شكسبير للمرأة (من تنميطهن، إلى «تحسس طريقه نحو نوع من فهمهن، وصولا إلى فهمهن تماما» و «منحهن وكالة كاملة») نبع اساسا من وقوعه في حب «امرأة كانت تمتلك صفات لم تكن متصورة لديه من قبل»، وهي المرأة التي ترى باكر أنها أصبحت نموذجا مثاليا انعكس على بطلات مسرحياته اللواتي اتسمن بـأنهن«سريعات البديهة، وصريحات ومغامرات جنسيا». وتقول باكر إن المثال على ذلك كان في البطلة التي تدعى «دارك ليدي» في السوناتات الشكسبيرية، والتي تقول باكر إنها تجسد شخصية الموسيقار والشاعرة إميليا باسانو. والواقع أن هذه الحجة من جانب مؤلفة الكتاب باكر تفرط إلى حد كبير في تبسيط جوانب الغموض الكامنة في السوناتات الشكسبيرية - والتي تصور مثلث حب ملي بالشكوك والمشاعر المتضاربة – كما أن النقاشات المستمرة حول هوية شخصية «دارك ليدي» التي طالما ثارت اختلافات حولها. وتسلط باكر كثيرا من الضوء على مثل هذه المناقشات، فهي تناسب بشكل أفضل نظريتها التي تقول إن شكسبير أصبح نصيرا لحقوق المرأة، ولا سيما إذا كانت حبه الحقيقي كان ناشطة نسوية مثل إميليا باسانو. وترى مؤلفة الكتاب أن مسرحية «روميو وجولييت» كانت «عملا رائدا- سواء في الأدب العالمي او في الأدب الشكسبيري»، وذلك لأن شكسبير أعطى جميع شخصياتها، ذكورا وإناثا، «مساواة مطلقة» في العلاقات بينهم. لكن تلك المساواة لم تكن الناحية الدنيوية (فكامرأة في إنكلترا الإليزابيثية، لم يكن لدى جولييت أي «استقلالية في البنية الاجتماعية لأسرتها أو في المجتمع ككل»)، ولكن تلك المساواة كانت «من حيث الجوانب النفسية والداخلية». كما ترى المؤلفة أن شكسبير وصل إلى نقطة الاعتقاد بأن الرجال والنساء لا يمكن أن يعيشوا ذلك النوع من «الاندماج الروحي/الجنسي» الذي عاشه روميو مع جولييت، وبينيديك مع بياتريس، وأنتوني مع كليوباترا، إلا «إذا كان هناك تكافؤ مطلق بين الطرفين.» وفي رأي مؤلفة الكتاب، فإن شكسبير وصل أيضا إلى نقطة النظر إلى النساء باعتبارهن يوفرن بديلا عن السلطة المؤسسية- أي عن الحكومة وعن الآلات اللازمة للحرب، وعن الدورات التي لا تنتهي من العنف والانتقام. لذا فإن نساء أمثال الليدي ماكبث وفولومنيا (أم كوريولانوس القاسية القلب)، واللواتي ينبذن تعاطفهن وحنانهن من أجل أن يلعبن ألعاب السلطة الخاصة بالرجال، ينتهي بهن المطاف وهن ينشرن الخراب من حولهن. وقد كان هناك نوع من «الظلام المحتشد» في بعض مسرحيات شكسبير، ولا سيما في مسرحيات «الملك لير» و«كوريولانوس» و«تيمون الأثيني»- وتقول مؤلفة الكتاب إن «شيئا ما كان يحدث» آنذاك لشكسبير: مرض الزهري ربما، أو ربما الاكتئاب، أو مجرد خيبة أمل متنامية إزاء حماقات ومآسي العالم آنذاك. كما تسرد المؤلفة الأمر، فإن شكسبير قرر في تلك المرحلة (التي ما زالت تواريخها غامضة قليلا) مغادرة لندن والعودة إلى ستراتفورد، والعودة إلى زوجته وبناته. والمسرحيتان اللتان كتبهما هناك، ألا وهما «حكاية الشتاء» و «العاصفة»، كانتا مختلفتين في البناء والموضوع. فلقد كانتا مسرحيتين تقوم فيهما إبنات (بيرديتا وميراندا) بتخليص والديهما روحيا، أي أنهما كانا من المسرحيات التي انطوت على نظرة الخلاص والشفاء الروحي. وترى مؤلفة الكتاب ان ويليام شكسبير «لم يتخل عن النمو والتطوير النفسي لشخصياته، فلقد جعل قماشة الرسم والإطار الزمني كبيرين جدا لدرجة أنه والجمهور حصلا على نظرة عامة وشاملة على الكيفية التي يمكن أن تتكشف عنها الأمور إذا سمح لبعض الأسرار والألغاز بأن تتحقق- أي إذا رسم الفنان صورة أوسع بحيث يتمكن الأطفال في نهاية المطاف، بانفتاحهم وحبهم وشجاعتهم وضعفهم، أن يوقفوا مسيرة ظلمات الجشع وعدم الكفاية والغيرة والرغبة في الهيمنة». وتخلص المؤلفة في ختام كتابها الأخاذ إلى القول بأن هذه الرؤية أكملت قوس نضج شكسبير كفنان كما أنها، في الوقت نفسه، دلت على انتصار للروح الأنثوية والتخيلية. - عنوان الكتاب: «نساء ذوات إرادة» (WOMEN OF WILL) - المؤلفة: تينا باكر - عدد الصفحات 312 صفحة. - الناشر: دار Alfred A. Knopf