كل ما قصّر وزير أو تجاوز أو ضاعت الحكومة أو فقدت القدرة على المبادرة أو حتى التبرير... يهمس الجميع: «القرار في يد القيادة السياسية»، وبعد مأساة اغلاق حقلي الخفجي والوفرة نحن من سيتوجه إلى القيادة السياسية ونسأل صاحب السمو الأمير أن يعطي توجيهاته لمن يفترض أنه يعرف واجباته بأن يتخذ الإجراءات الكفيلة لحل هذه القضية التي حرمت الكويت من 9 في المئة من إنتاجها النفطي أي نحو 250 ألف برميل يومياً بما قيمته 15 مليون دولار يومياً حسب سعر البرميل الحالي، أي 450 مليون دولار شهرياً، أي 5.5 مليار دولار سنوياً. ويا صاحب السمو، أمام هذه المأساة التي تضاف إلى جملة مآسي التعامل مع القطاع النفطي الذي هو شريان حياة الاقتصاد الكويتي، أصدقك القول إننا - وباستثناء محاولات إعلامية قليلة جداً وخجولة - لم نسمع لا من الوزير ولا من الحكومة ولا من المسؤولين النفطيين أيّ شيء يفيد بالأسباب الحقيقية للإغلاق أو بمسار القصة أو بالعوامل السياسية أو الفنية أو التقنية أو تطور اتفاقات المنطقة المقسومة. سمعنا روايات من جانب الأشقاء في السعودية وهي تعكس بالطبيعة والمنطق وجهة نظر المملكة، أما الوزارة عندنا فصمتت صمت أبي الهول عندما قيل إن الخفجي «أغلق لاسباب بيئية»، ثم ذكرت أن الوفرة أغلق للصيانة، ثم همسوا في الغرف المغلقة أن الموضوع سياسي وأن ما باليد حيلة، ثم أحالوا القضية – كما صارت العادة في كل شيء في الكويت – إلى القيادة السياسية وكأن المطلوب من القيادة السياسية أن تعالج كل شيء بمفردها. لم يصدر بيان يوضح طبيعة المنطقة المقسومة والاتفاقات المعقودة وهل هي مستمرة أم انتهت؟ وهل هناك خطط أو مفاوضات أو تصورات لتجديدها؟ ولماذا إذا انتهت منذ سنوات ما زال التعامل مع شركة شيفرون مستمراً وإن بحدود معينة؟ وهل هناك تصور أساساً لمستقبل الإنتاج وتطوير الحقلين؟ وليتسع صدرك لنا يا صاحب السمو وأنت ما أغلقت بابك أمام أحد... 250 إلى 260 ألف برميل يومياً من قوت الكويتيين طارت عوائدها ونحن أمام حكومة لم تستطع شرح شيء لمواطنها فكيف ستترجم رؤيتكم لتحويل الكويت إلى مركز مالي؟ وإذا كان إغلاق حقلي الوفرة والخفجي رأس جبل الجليد في التعاطي الخاطئ مع أهم قطاع اقتصادي في الدولة فإن ما تحت الإغلاق لا يقل فضائحية عنه. من 2006 وحتى اليوم، 9 وزراء نفط تعاقبوا على الحقيبة، وبعضهم لا يستحق المنصب. عشرات الأسماء تغيرت أو طارت أو تدوّرت في مجالس الإدارات وكأن هذه المجالس «عزبة» لدى الوزير أو صاحب القرار التنفيذي يحولها كما يشاء. يتعلم الكادر النفطي في أرقى الجامعات العالمية ويتعب ويعمل بكد وجد لكنه يجد نفسه أمام أمرين: إما أن يطلب واسطة شيخ أو سياسي ليتعين أو يترقى، وإما أن يمارس عمله بكفاءة ثم تأتيه طلبات الواسطة فيرفض ليصبح هدفاً للمدير أو الوزير... وفي الحالتين مناخ العمل أسود. القطاع النفطي يا صاحب السمو أدخل في صفقات بين الحكومة ومجالس الأمة أسفرت مثلاً عن تجميد مشاريع حيوية مثل تطوير حقول الشمال وغيره. والقطاع النفطي يا صاحب السمو أوقعته التسويات السياسية في خسارات وجزاءات تحملتها خزينة الدولة، ثم وجدنا صمتاً تاماً من السياسيين الذين ساهموا في الوصول إلى هذه الخسارات والجزاءات. والقطاع النفطي يا صاحب السمو تسلم إدارته أشخاص بدل أن يطوروه طوروا أحلامهم للتدرج في السلطة. والقطاع النفطي يا صاحب السمو تسلم إدارته نواب تعاملوا مع الحقيبة على أنها جسر لزيادة التأييد الانتخابي فحولوا الوزارة إلى محطة لتلبية معاملات ناخبيهم. والقطاع النفطي يا صاحب السمو تسلم إدارته حزبيون... ويعرف القاصي والداني كم أدخل هؤلاء من أنصار لهم في القطاع كجائزة ترضية من الحكومات سابقاً لهذه التيارات. والقطاع النفطي يا صاحب السمو... شهد كل الوقت تداخل صلاحيات وصراعات مستمرة بين الوزير والمؤسسة، الأمر الذي حول القطاع إلى ميدان تراشق بالمؤامرات والدسائس. نقول هذا الكلام، ونحن نكن كل احترام للوزير الحالي ونعتقد أن إمكاناته كبيرة إنما ليست في إدارة قطاع مثل النفط، كما أننا إذ نحترم انتماءه إلى تيار سياسي معين إلا أن الجميع متفق أن وزارة النفط يجب ألا يتولاها لا نائب يترسها بمعاملات ناخبيه ولا حزبي يديرها ولو بالحد الأدنى من التأثر بتوجهات تياره. كما اننا نتحدث عن الحكومة من منطلقات المصلحة الوطنية فقط خصوصا ان رئيسها طالب قبل غيره الجميع بأن يعينوه في الاستدلال على مكامن الخلل ومحاربة التقصير. وصلنا إلى إغلاق حقلي الخفجي والوفرة... أسئلة كثيرة طرحها الكويتيون ووجد الوزير ومسؤولو القطاع النفطي كلمة لتخدير الناس بها...«الصيانة». ويبدو، والله أعلم، أن الحكومة تحتاج في موضوع القطاع النفطي إلى ما هو أكثر من الصيانة أو قطع الغيار، وأن المشكلة الرئيسية تكمن في وجوب التنقيب عن الأشخاص المناسبين في الحقول السياسية والإدارية المناسبة. حقل الوفرة يغلق... لا يهم من وجهة نظر الحكومة لأنها تملك «وفرة» من الخيبات والسقطات والإخفاقات. وحقل الخفجي يغلق... لا يهم من وجهة نظر النواب الذي لم يحرك أحد منهم ساكناً لسؤال الوزير عن الخسارة الضخمة التي تلحق بالكويت والكويتيين. بعض الكتاب الأميركيين والأوروبيين العنصريين تحدثوا عن ضرورة الإسراع في إنتاج الطاقة البديلة أو اتخاذ سياسات تهبط بأسعار النفط إلى ما دون العشر دولارات وخاطبوا أهل الخليج بالقول: «وعندها اشربوا نفطكم». ومن يراقب كيف تتعامل حكوماتنا مع القطاع النفطي يمكنه أن يبشر هؤلاء بالقول: لا تقلقوا نحن نحرق نفطنا وقد لا يبقى منه حتى... ما نشربه. الحكومة والوزير ومسؤولو القطاع أجابوا الجميع عندما سئلوا عن حرمان الكويتيين من 5.5 مليار دولار سنوياً نتيجة إغلاق الحقلين أن الأمر عند القيادة السياسية، وها نحن نسألك مجدداً يا صاحب السمو وأنت القائد والمؤتمن على المال العام والشأن العام أن توجه الحكومة إلى وجوب التعاطي مع القطاع النفطي بما يستحقه من جدية ومسؤولية... فأمانة الأجيال لا تسلم إلى أصحاب الأهواء السياسية أو الانتخابية أو الحزبية. جاسم مرزوق بودي