ربما لم يعد مستطاعاً تخيّل الحياة اليوميّة للناس في الأزمنة المعاصرة، من دون الشبكات الاجتماعيّة. والأرجح أنها ذهبت إلى أبعد بكثير مما تخيّله صُنّاعها، وهو أمر لا يخفيه مارك زوكربرغ، مؤسّس موقع «فايسبوك» للتواصل الاجتماعي. ولا شيء رافق صعود الشبكات الاجتماعية وانتشارها السريع، أكثر من انتشار التطبيقات التي باتت أعدادها عصيّة على الإحصاء، خصوصاً منذ انتشار نظام «أندرويد» في صنعها. يكفي النـــظر إلى شــاشة الخليوي أو الـ «تابلت»، لــــرؤية أيقونات تلك التطبيقات وهـــي تتزاحم في تلك المساحة التي تغفو في راحة اليد! هناك تطبيق وأكثر، لتفاصيل الحياة المـــعاشة حاضراً، من الساعة والمفكرة والكاميرا والراديو والآلة الحاسبة، مروراً بالألعاب الإلكــترونيّة وشبكات التواصل الاجتــماعي، ووصــــولاً إلى الأيقونات المختصّة التي يضعها كل فرد وفق عمله وهوايته وأوضاعه. وإذا كانت الشبكات الاجتماعية تذكّر بعبقرية زوكربرغ، فمن الصعب ألا تستحضر التطبيقات ذكرى العبقري الراحل ستيف جوبز الذي راهن عليها، بل كان أول من نشرها في الفضاء الافتراضي عبر مخزن «آي تيونز». إنها كانت حاضرة حتى قبل انتهاء «الزفّة» في زواج موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك» وتطبيق تبادل النصوص والمالتي ميديا عبر الأجهزة الذكيّة المعروف بإسم «واتســـ آب». إنـــها كانت «شبحاً» حاضــراً في ثــنايا كلام خبير المعلوماتية الأميركي إدوارد سنودن، عــــندما بشّر النــــاس بـــأن مكالماتهم عبر الخلـــيوي، ومثلــها كل كلمـــاتهم وصـــورهم عبر الشبكات الاجتماعية ومواقع الإنترنت، هي محفوظة ومصونة في حمى «وكالة الأمن القومي» الأمـــيركية، في ثنايا كومبيوتراتها الخارقة «سوبر كومبيوتر»، خصوصاً في «مركز يوتاه للمعلومات» Utah Information Center. نعــم: إنّها المخاطر، التي باتت سيولاً متدفّقة على الهواتف الذكيّة والأجهزة الإلكترونيّة كافة. «الكومبيوتر الصغير» مهدّد لعلّ بعض أصحاب الذاكرة القوية يسترجعون نقاشات جرت في أجواء أكثر سروراً، عندما حذّر خبراء من شركات الأمن المعلوماتي عالميّاً، كـ «سيمانتك» Symantic و«كاسبرسكي» Kaspersky، من أن تحوّل الخليوي إلى ما يشبه الكومبيوتر الصغير، خصوصاً بعد دخوله إلى الإنترنت، يعرّضه للأخطار التي لا تغيب لحظة عن تلك الشبكة. ولكن، بعد زواج «فايسبوك» و«واتس آب»، برز الخطر إلى العيان بأكثر مما كان متوقّعاً. هناك مئات ملايين الأشخاص ستصبح بياناتهم موجودة بطريقة مكثّفة على الأجهزة الذكيّة، ما يعني أن اختراق تلك الأجهزة ستكون كلفته قاسية لكل هذا الجمهور الهائل. في هذه الصورة، يصبح نظام «آندرويد» شبيبهاً بكعب آخيل، بمعنى أنه نقطة الضعف الضخمة فيها. لماذا؟ ببساطة، لأن «واتس آب» هو تطبيق رقمي «آبليكيشن» Application مختصّ بالهواتف الذكيّة، وهو موجود أيضاً على الإنترنت عبر مخازن التطبيقات الرئيسية فيها، كـ «بلاي غوغل» Play Google و«آبل آبس ستور» Apple Apps Store. ويعمل نظام «آندرويد» بطريقة مفتوحة، بمعنى أن شيفرته الأساسيّة هي من النوع المفتوح المصدر «أوبن سورس» Open Source، بمعنى أنها «مكشوفة» للعموم، عبر محرّك البحث «غوغل». إذاً، هناك مفصل متناقض في نظام «آندرويد». فمن ناحية، انتشرت تطبيقات «آندرويد» Android بسرعة الضوء وكثافته، تحديداً لأنها مفتوحة المصدر، لكن هذا الأمر نفسه يجعلها عرضة للأخطار، خصوصاً عندما تتوافر أهداف مغرية على غرار المعلومات المليونيّة (ربما بليونية) التي صار ممكناً الوصول إليها عبر «واتس آب». هناك رقم مخيف، إذ بيّن التقرير السنوي لـ «سيسكو سيستمز» Cisco Systems العملاقة في عام 2014، أن الأجهزة الـــذكيّة التي تعمل بنــــظام «آندرويد»، تتـحمّل وطأة 99 في المئة من البرمجيات الخبيثة (أي الهــجمات الإلكتــرونيّة وفيروساتها). وأرجع التقرير هذا الأمر إلى اعتماد «آندرويد» على لغة «جافا» Java في البرمجة، بل أكّد أن الفيروسات من نوع «حصان طروادة» هي العتلة الأكثر استخداماً في ضرب نظام «آندرويد» عبر الـ «ويب». ولاحظت شركة «سيمانتك» Symantec المختصّة في الأمن المعلوماتي، أن قرابة 272 من الفيروسات الرقمية، من بينها 5 أجيال جديدة، تضرب التطبيقات المستندة إلى نظام التشغيل «آندرويد»، وفق مسح إحصائي للسنة الفائتة انتهت «سيمانتك» من إعداده أخيراً. الأرقام ورعبها وتنوّعت أهداف هذه الفيروسات بين محاولة سرقة المعلومات الشخصيّة والماليّة، وتعقّب الأفراد، واستغلال الهاتف الذكيّ لتحميل صاحبه كلفة اتصالات يجريها المخترقون، إضافة الى عرض الإعلانات. وفي الصيف الفائت، صدرت دراسة مشتركة لـ «سيمانتك» و«سوفوس» (كلاهما مختص بأمن المعلومات)، بيّنت أن فيروساً انتشر بسرعة البرق على تطبيقات الـ«آندرويد»، بعد أن اتّخذ شكل برنامج لمحاربة الفيروسات الإلكترونيّة! ولأن إسم البرنامج الزائف كان «آندرويد ديفاندر آبليكيشن» Android Defender App (ترجمتها «المدافع عن آندرويد»)، سمّته الشركتان «مُضاد الفيروسات الزائف»Fake Anti Virus. ويزيد الأمر تعقيداً، أن مؤسسة «بيو للبحوث»، وهي مؤسسة أميركية تتبع الاستخدامات الشائعة للأجهزة الرقمية، أفادت بأن 51 في المئة من الأميركيين يعتمدون على الإنترنت في معاملاتهم المصرفية، كما يستعمل 35 في المئة منهم الــهواتف الـــذكيّة في هذا الأمر، خــصوصاً عـبر تطـــبــيقات «آندرويد». ووفق تقرير لـ «سيسكو» أيضاً، باتت منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا معتمدة بشدّة على الأجهزة الذكيّة التي يتوقع وصولها إلى 598 مليوناً في 2018. ووفقاً لدراسة حديثة أعدّتها شركة «سيسكو سيستمز» Cisco Systems أيضاً، يجهل 65 في المئة من الموظفين في الشرق الأوسط، الأخطار المُهدّدة للأجهزة الشخصيّة، خصوصاً الأجهزة الذكيّة. باختصار، ليس من المنطقي أن نحمل أجهزة معقدة ومتطوّرة ومتقدّمة تقنيّاً، ثم نكتفي بدور الطيب القلب. لم يعد الانخراط في التقنيّة مجرد خيار آخر، بل صار أمراً واقعيّاً يجدر الإصرار عليه بجدية تامة. لكن، ماذا عن الجمهور العربي الذي يعيش ضمن دول ومجتمعات لم تتعامل مع التقنيّات المتتالية منذ الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر الى حدّ الآن، إلا اعتباره مستهلكاً ومتلقياً، بل مجرد مستعمل يملك الكثير من طيبة القلب أيضاً؟ يحتاج هذا السؤال إلى نقاش مختلف.