استطاعت التقنية الحديثة من خلال برامج التواصل الاجتماعي على شبكات الإنترنت من جذب المستخدمين لها وتزايد اعدادهم عبر تواصل متنوع ومتسارع ل"الفيسبوك، توتير، سكايب، الواتساب"، ومع تطور هذه الوسائل تطورت وسائل الاتصال بين الناس، وأصبحت هذة الشبكة الواسعة من التواصل هي الوسيلة الاجتماعية المفضلة التي تتيح المشاهدة المباشرة، وتبادل المقاطع والصور والمشاعر فيما بينهم رغم الفاصل الزمني والبعد الجغرافي. السجناء الذين يعيشون وراء القضبان بحاجة لمثل هذا النوع من التواصل الإلكتروني الذكي "سكايب" مع أسرهم؛ وفق تنظيم تقني مقنن مدروس لا يسمح بحدوث أخطاء فادحة لا تحقق المصلحة من إيجاد هذا النوع من التواصل المرئي، خاصة عندما يتحرج السجين من رؤية ابنائه له في السجن، أو عندما يكون بحاجة أكثر لمتابعتهم؛ فأسرة السجين تتعرض لهزة في حياتها لغياب عائلها أو أحد أبنائها. "الرياض" ناقشت الموضوع مع المختصين من خلال سطور التحقيق التالي. تنظيم وتوقيت في البداية أكد "د. مساعد المحيا" -الأستاذ المشارك بقسم الإذاعة والتلفزيون بكلية الإعلام والاتصال بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية- على أن وسائل التواصل الحديثة أتاحت التواصل بين من يعيشون عبر القارات، وأصبحوا يعيشون اللحظة نفسها في الاتصال، ورؤية من يريدون والحديث معه بشكل يخفف من الغربة والبُعد. وقال: "حين يحدث هذا النوع من تواصل السجناء مع ذويهم وتحديد من الذين يتواصلون معه؛ فإنه سيكون تواصل ايجابي وسينعكس على نفسياتهم، ولكن المشكلة تكمن في مفهوم السجن، حيث أن السجين متى ما مارس حياته الطبيعية داخل السجن، وكأنه ليس بسجين فهذا يعني أن الهدف من سجنه لم يتحقق في مفهوم العمل الأمني، كما أنه من المقلق أن يستخدم هذا التواصل في صناعة حراك داخل السجن؛ مما يؤدي إلى مشكلات أمنية كبيرة تجعل الجهات المسؤولة في السجون لا ترغب بتطبيق الفكرة". وأضاف عندما يلتقي السجين مع أقاربه في السجن؛ فهناك الكثير من الخطوات التي تتم في إجراءات تواصلهم معهم، وهذه الإجراءات عندما نعرفها ونراها ندرك أن الاستخدام التقني قد يكون مستحيلاً جداً؛ فمجرد تواصله مع فلان أو أهله يحتاج لكثير من التأكد من هوية الأشخاص الذي يرغب في التواصل معهم، وما طبيعة الحوار الذي دار بينهم، مقترحا إمكانية ان يكون هناك تسجيل للقاء الذي تم بينهم، وبالتالي فإن فكرة التواصل بحاجة لحضور جهات ما تُسمى بحقوق الإنسان من أجل ايجاد هذا الحق للسجين؛ ليتواصل مع أهله أثناء وقت العقوبة، مشيراً الى أن كثيراً من الدول سمحت للسجناء بالتواصل مع اقاربهم بالهاتف الجوال وهم داخل السجن، وتنقل هذه الصورة كاميرات التلفزيون، مؤكداً على أننا بحاجة لأن يتغيّر مفهوم السجن لدينا في بعض تنظيماته، ومن الممكن وقته الحديث عن هذا الجانب، وإلاّ سيكون توفير هذة التقنية من نسج الخيال. وأشار إلى إيجابيات هذا القرار التي منها أن يمارس السجين حياته بشكل مقبول داخل السجن، ويتم تطبيق كل الحقوق الخاصة التي يجب أن يحصل عليها داخل السجن، متوقعاً لو أن إدارة السجون اهتمت بهذا الأمر، خاصة لسجناء انتهت مرحلة التحقيق معهم وصدر بحقهم الحكم القضائي؛ فمن المفترض أن يكون السجن فترة إصلاح وتهذيب وبناء تربوي، ومحاولة إعادة هذا الفرد إلى نسيج المجتمع بشكل صالح، ومن الضروري الاّ يعيش السجين فترة يغضب فيها ويحتقن ضد المجتمع، ولذلك ينبغي أن يكون هناك وسائل كثيرة تعيده إلى حضن المجتمع بشكل إيجابي ويحب الناس والمجتمع ويخرج من السجن وهو متشوق ومتطلع لممارسة حياته الطبيعية بعد أن كان يتواصل مع الآخرين الكترونياً، داعياً أن تتاح جزء من هذه البرامج بشيء من التنظيم والتوقيت للسجناء؛ كأن يُتاح لهم أوقات معينة يتواصلون فيه مع الآخرين، وهذا ممكن كأن يكون هناك محطات تلفزيونية متاحة، وهذا طبعاً سيلقي عبء كبيرا على السجون؛ لأنه سيخلق لهم عملا جديدا سيكون بحاجة لمتخصصين في الجوانب الإعلامية والنفسية شريطة ألا يكون العمل أمنيا يمارس بشيء من القسوة على السجناء، ومادام الأمر مسموح وممكن فالتنظيم له من خلال تقسيم السجناء وفق مجموعات يحدد له ما يُسمح وما لا يُسمح، ويمكن أن يتم ذلك الكترونياً، بحيث يتم فتح الجهاز الإلكتروني للسجين الذي تنطبق عليه شروط استخدامه ويتاح له الوقت المحدد ومع حسابات محددة، ويمكن أن تضبط هذة الدردشة وتراقب آلياً، ويمكن السيطرة على المخالفات في وقتها، مؤكداً على أننا بحاجة فعلية بفكرة الاقتناع أن السجين من حقه أن يتواصل مع أسرته وأهله وأولاده ومجتمعه؛ ليتحقق هذا النوع من التواصل التقني. التحول إلى «الزيارة الإلكترونية» يقلل من أعباء التفتيش والمواعيد ونقل المساجين واختلاطهم.. ولكن! فكرة جيدة.. ولكن! ويري "د. سعود كاتب" -أستاذ تكنولوجيا الإعلام بجامعة الملك عبدالعزيز- أن الفكرة جيدة لو تم تطبيقها بشكل يتلائم وطبيعة الجريمة، وخطورة السجين، حيث أن بعض السجناء يكونون بحاجة إلى رقابة مشددة وهم في السجون، ولكن في حالات كثيرة بإمكان السجين التواصل مع عائلته وأسرته ببرنامج "سكايب" ولا أجد فيه ضرر، مشيراً إلى أن هذا لا يلغي الحاجة للتواصل المباشر عن قرب. وقال إن التواصل عبر "سكايب" مناسب جداً عندما يصعب التواصل المباشر؛ نظراً لبُعد السجين عن سكن عائلته، أو عدم رغبته بمشاهدة أطفاله وهو خلف القضبان، مع الأخذ في الاعتبار إتاحة هذة الخدمة للسجين بعد موافقته، مؤكداً على أن تطبيق مثل هذا النوع من التواصل بحاجة لمزيد من الدراسات من قبل المختصين، ومدى إمكانية تطبيقها، وربما لا تتناسب مع المجرمين الخطرين وهذا عائد لرؤية إدارة السجون. دعم المشروع وأوضح الأستاذ "يحي بن عطية الكناني" -رئيس لجنة رعاية السجناء بمكة المكرمة- أن اللجنة الخيرية الوطنية لرعاية السجناء بمكة المكرمة لديها استعداد كامل لدعم مثل هذا المشروع مادياً، لافتاً إلى أنهم كلجنة سبق وأن طرحوا هذا الموضوع ولاقى تفاعلاً من رجال الأعمال لدعمه، مشيراً إلى أن اللجنة لديها مسؤوليات محددة، بينما الجهة المسؤولة عن السجناء وأنظمة السجن وحمايته وأمنه هي المديرية العامة للسجون، ومتي ما مُنحنا الموافقة فسننطلق تجاه دعم أي مشروع تقني يواكب التطور السريع ووسائل الاتصال الحديثة وفي حدود ما يمنح لنا من صلاحيات، وما يضمن عدم انعكاس هذه الخدمة بشيء سلبي؛ لأنه قد يفتح المجال للتواصل مع جهات أخرى وهذا التحفظ سبب في تأخير مثل هذه المشروعات. وقال إن بعض القضايا لا ترقي إلى مستوى الجُرم، ولكن قد تكون إيقاف أو حماية للسجين من بعض الأمور، وهذا لا يُخشى من تواصل السجين مع أسرته الكترونياً، مشيراً إلى أن التقنية يمكن اخضاعها لكل ما تريده من تحفظ أو تحديد روابط معينة يتم التعامل معها، والمختصون في هذا المجال يستطيعون تحديد النافذة التي يمكن أن يمر من خلاله ما يتاح دون ضرر على الأمن والسجين وأسرته، ولكن في بعض القضايا يجب أن يُؤدب فيها السجين الذي تصل درجة خطورته على الأمن مثل أصحاب المخدرات والقضايا الأمنية والتي لا يمكن إتاحة هذا النوع من الإتصال لهم، أما السجناء المتعسرين مادياً أو الذين اخطئوا؛ بسبب الضعف البشري ورأت الجهات المعنية ملائمتهم لهذا النوع من التقنية، مؤكداً على أن السجين الواعي عندما يتابع أسرته ويوجههم ويطلع على وضعهم داخل البيت، ويستطيع أن يوجه ويلاحظ ويضبط الأسرة؛ فإن ذلك سيجنبها الضياع والتفكك. التواصل الحسي وأكد "د. صالح الدبل" -أستاذ مشارك في علم اجتماع الجريمة بكلية الملك فهد الأمنية- على أن زيارة الأبناء لذويهم السجناء في السجن تعتبر نوع من اللقاء الهام؛ فالفائدة من الزيارة التواصل الحسي، مشيراً إلى أن الاتصال التقني ممكن أن ينفع لأولاد السجين الصغار، ممن لا يحبذ معرفتهم أو رؤية والدهم في السجن، أما الأولاد الكبار للسجين فالأفضل زيارته ورؤيته عن قرب، مطالباً بضرورة إيجاد بيئة مناسبة لزيارة السجناء مع أهاليهم داخل السجن، وتكون في مكان اجتماعي وهادئ ومنظم، حيث يستطيع الأبناء أن يجلسوا مع والدهم بدلاً من أن يكون اللقاء وراء القضبان، أو الزجاج، وإنما يجلسوا كأسرة في مكان مغلق ومؤمن بجانب بعضهم، بحيث يكون هناك فرصة للتواصل الحسي، خاصة إذا كان للسجين ابن كفيف او أصم وهو بحاجة لأن يقترب من إحساس والده أو والدته السجينة بتلامس الأيادي للشعور بالحب والاهتمام.