حط السيد ديمستورا رحاله في جنيف على ضفاف بحيرة ليمان الشهيرة، ليجري مشاورات حول الأزمة السورية. الرجل الذي بدأ مهمته الأممية بفشل مدو حين اقترح تجميد القتال فقط في مدينة حلب، ثم تنازل إلى تجميد القتال في حي من أحيائها -حي "سيف الدولة"- لتبوء اقتراحاته بالخيبة في الاثنين معا؛ يعود إلينا اليوم وفي حقيبته "همروجة" مشاورات سياسية جديدة. هذه المشاورات تضعنا أمام عدة مفترقات وبضعة احتمالات، وتستدعي في الوقت نفسه عدة ملاحظات، وثلاث إشارات استفهام مفخخة. لقد وجه السيد ديمستورا الدعوة إلى 400 شخصية سورية سياسية وعسكرية من السلطة والمعارضة وممثلي المجتمع المدني والفصائل العسكرية والسياسية المعارضة في الداخل والخارج، في سابقة عددية أكاد أجزم بأنها الأولى من نوعها في التاريخ الدبلوماسي، حيث يلتقي حوالي 60 وفدا للبحث في مسألة واحدة.. هي المسألة السورية، والسؤال هنا: هل يبحث الرجل في تسوية كما يقول أم يحاول تمييع القضية وإغراق كل الأطراف بالتفاصيل وإفساد الطبخة بكثرة طباخيها؟ يقول ديمستورا في تبريره لهذا اللقاء الأخطبوطي إنه يريد أن يستمع وينصت إلى وجهات النظر كلها، وكلنا نذكر أنه كان التقى قبل أقل من شهرين معظم هؤلاء العسكريين والسياسيين في إسطنبول وغازي عنتاب على مدى أيام طويلة.. وبالتأكيد استمع إلى وجهات نظرهم! وهنا يثور السؤال الثاني: لماذا العودة الآن من جديد؟ هل يلعب الرجل في الوقت الضائع ويحاول أن يشتري الوقت لمصلحة النظام وربما لمصلحة إيران حتى حلول موعد التوقيع على الاتفاق النووي بين الأخيرة ومجموعة 5+1 والمقرر مبدئيا في نهايات شهر يونيو القادم؟ ثم، حين سئل السيد ديمستورا من قبل أحد الصحفيين في اليوم الأول للمشاورات عن الهدف البعيد الذي يرمي إليه، كان جوابه: حشد كل القوى ضد الإرهاب وقتال "داعش".. وهنا يظهر بالطبع السؤال الثالث: إذا كان "داعش" تنظيما إرهابيا -وهو كذلك- فهل هو الوحيد في هذا المضمار يا سيد ديمستورا؟ وهل عناصر الفصائل التي تقاتل وتقتل الشعب السوري وعلى سبيل المثال "حزب الله" وكتائب "أبو الفضل العباس" و"الأفغان" هم خريجو جامعات هارفارد وكامبريدج والسوربون؟ الإجابة على هذه التساؤلات الثلاثة ستشكل علامة فارقة في القادم من الأيام، وسأختمها أيضا بسؤال إضافي: بدأ عراب هذا اللقاء الملتبس -والذي يستحق بجدارة دخول موسوعة جينيس للأرقام القياسية من حيث عدد المشاركين فيه- مهمته في سورية بالفشل، فهل سينهيها بنجاح أم بفشل جديد يجعل حقيبة الرجل الدبلوماسية المكتظة بالأوراق والأسرار وربما بالصفقات السرية والدولارات تنضح بدماء السوريين؟ الغد سيبدي لنا ما كنا نجهل، وما نعرف.. فدعوا البحيرة تكشف قاعها في طهران ودمشق.