هناك سؤال حائر ومحير. ذلك السؤال الذي يربك ويدعو إلى الريبة هو "لمَ كان الغرب متحمسا دائما لإيواء المتشددين الإسلاميين؟" قانونيا فإن اللاجئ لا يتم اختباره عقائديا، فهو أمر غير مسموح به. ذلك لأن العقيدة هي خيار فكري شخصي لا يمكن المس به أو تعريض صاحبه للمساءلة بسببه. فهل أُخذت السلطات الأمنية على حين غرة حين تحول أولئك العقائديون إلى ذئاب بشرية اتخذت من مقومات الديمقراطية غطاء لنشاطها الذي بدأ على سبيل الدعوة وانتهى إلى التشدد الذي أنتج إرهابيين؟ في تلك الحالة لا يمكن الخلط بين الجانب القانوني والجانب الأمني. ذلك الخلط سيؤدي بالضرورة إلى تضييق الهامش الديمقراطي وهو ما لا تقبل به المجتمعات الحاضنة. ولان من غير المقبول قانونيا أن يُحاسب المرء على عقيدته وطرق تفكيره فقد كانت المؤسسة الأمنية غير قادرة على ضبط أحوالها والاهتداء إلى الطريقة الأمثل للتعامل مع ظاهرة الإسلام السياسي التي هي مصدر كل الإرهاب الذي صار يضرب شرقا وغربا. هل كانت تلك الظاهرة في بدايات نشوئها لغزا وقفت أمامه الأجهزة الأمنية الغربية عاجزة عن تفكيك أسراره والاهتداء إلى مفاتيحه؟ التفسير الوحيد لما وصلنا إليه يكمن في أن تلك الأجهزة كانت قد أهملت تلك الظاهرة بناء على اعتقادها أن أي نشاط عدواني يمكن أن ينتج عن الظاهرة ستذهب أضراره كلها إلى العالم الإسلامي. وهو اعتقاد يكشف عن قدر هائل من اللااكتراث بمصير الآخرين، لكنه ينسجم وظيفيا مع طرق التفكير الأمنية المعتمدة. غير أن الوقائع التي شهدتها عبر السنوات الماضية بريطانيا وسواها من دول اللجوء التي ترعرعت فيها ظاهرة الإسلام السياسي بطريقة آمنة أكدت خطأ ذلك الاعتقاد. فما سمي بالإسلام السياسي وهو مصطلح غربي خالص هو ظاهرة أرست قواعدها على أساس ممارسة العنف ضد الآخر المختلف سواء كان ذلك الآخر مسلما أو لم يكن كذلك. بحسن نية يمكننا أن نزعم أن دول اللجوء لم تكن تتوقع أن يتنكر بشر اُحترمت عقائدهم وعوملوا بطريقة قانونية ولم يتم التضييق عليهم بالملاحقات الأمنية وتمتعوا بكل حقوق المواطنة، فكانت الهجومات التي قام بها الارهابيون في بروكسل وباريس ولندن بمثابة مفاجأة غير سارة. غير أن تفسيرا من ذلك النوع لن يكون مقبولا في ظل حُمى الرقابة التصويرية التي تمارسها الأجهزة الأمنية في شوارع المدن الأوروبية وبالأخص لندن. من وجهة نظري التي لا تستند إلى معلومات مؤكدة فإن هناك صراعا قائما الآن في الغرب بين الأجهزة الأمنية وبين أجهزة المخابرات. فالإسلام السياسي هو في جزء من تركيبته عمل مخابراتي بحت. وهو ما أظن أن أجهزة المخابرات الغربية كانت على اطلاع عليه أو أنها كانت قد ساهمت فيه، بل وأدارته. ينبغي هنا التذكير بعلاقة المخابرات البريطانية ومن ثم الأميركية بجماعة الاخوان المسلمين التي هي مدرسة الارهاب في المنطقة، فمنها تخرج كل زعماء الإرهاب، بغض النظر عن مذاهبهم الفقهية. من المؤكد أن أجهزة المخابرات الغربية قد عملت على إخفاء معلوماتها عن الأجهزة الأمنية. وهو ما أدى إلى الفوضى التي صار المواطنون في الغرب يدفعون ثمنها. فجأة ظهر المهاجر الذي كان يحظى بصفة لاجئ باعتباره عدوا محتملا. لقد أدى الإهمال الوظيفي القائم على نظام معقد في طريقة تبادل المعلومات إلى أن يدفع الأبرياء من اللاجئين ثمن التغاضي عن ظاهرة الإسلام السياسي أو رعايتها من قبل أجهزة المخابرات. لا أحد في إمكانه أن يوجه سهام اللوم إلى النظام القانوني الذي قبل بالعقائديين المتطرفين لاجئين. ولكن ظاهرة الإسلام السياسي هي شيء آخر. شيء هو أشبه بالصناعة الخفية التي ستكون من الصعب معرفة أسرارها. في الوقت المنظور على الأقل. فاروق يوسف