سلّط عدد من المتابعين وخبراء الاقتصاد الضوء على إحدى المعضلات التي يمرّ بها سوق العمل السعودي في الوقت الراهن، وتتمثل في تسرّب الكفاءات الوطنية إلى خارج حدود الوطن؛ بحثاً عن فرص وظيفية توائم مؤهلاتهم العلمية وذات مميزات مغرية تحقق تطلعاتهم التي يسعون إليها، مؤكدين أن هذا التسرّب خسارة جسيمة لسوق العمل السعودي وللاقتصاد الوطني ككل إن استمر الحال على ما هو عليه. وبينوا أن سوق العمل يمرّ بمنعطف مهم ومرحلة تحول كبيرة، من أجل سعودة الوظائف وإحلالها مكان الأجانب بقيادة وزارة العمل التي حملت الإرث الثقيل منذ بداية الطفرة في السبعينات من القرن الماضي. وذكروا أن هذا التسرّب بداية لظاهرة قد تنمو مع الوقت يجب الوقوف للحدّ منها وبحث العوامل المنفرة للشباب من سوق العمل، فالتكاليف الباهظة التي دفعتها الدولة من أجل ابتعاث أبناء وبنات الوطن للخارج ونهل مختلف العلوم والمعارف يحتّم توجيه هذه الطاقات لداخل الوطن ؛ تحقيقاً للغاية من برامج الابتعاث. وشددوا على ضرورة بحث الجوانب الحقوقية للكفاءات الوطنية في القطاع الخاص واقتلاع الجوانب المنفرة لهم من هذا القطاع. وعزوا هذه الهجرة إلى عددٍ من الأسباب كهجرة رؤوس الأموال وضعف استقطاب الأموال الخارجية للاستثمار بداخل المملكة خلال حقبة الثمانينات والتسعينات، فمنذ انطلاق برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي من أجل الدراسة وصل عدد الطلاب الذين تم ابتعاثهم حتى الآن أكثر من أربعين ألف طالب وطالبة في شتى دول العالم، والذين وجدوا صعوبة بالغة لدى عودتهم إلى الوطن في شغل الوظائف التي تناسب توجهاتهم. وذكروا عدداً من المقترحات والحلول والتي قد تساعد في احتواء هذه الطاقات البشرية الوطنية وعدم إهدارها، انطلاقاً من الاعتراف بالمشكلة بأن هنالك قوة بشرية وطنية متمكنة لم يتم استغلالها بالشكل اللازم، وتوجيه الإنفاق الحكومي على المشاريع لا سيما الصناعية تحديداً، وتفعيل المدن الصناعية؛ من أجل إيجاد وظائف جديدة وبتخصصات تناسب الكفاءات الوطنية وتحقق آمالها. إلى ذلك قال تركي الموح– كاتب مختص بالشأن الاقتصادي- إن سوق العمل السعودي يمر بمنعطف مهم ومرحلة تحول كبيرة، حيث يعيش حملة وطنية لسعودة الوظائف، ومحاولات متعددة عبر البرامج المتنوعة لإحلال الكفاءة الوطنية مكان الأجنبية بقيادة وزارة العمل التي ورثت إرثاً ثقيلاً منذ بداية الطفرة في السبعينات من القرن الماضي حيث نشأت عدد من الأنظمة والبرامج التي تعزز من وجود الكفاءات الوطنية في المشهد العام لسوق العمل السعودي. وأكد الموح أن سوق العمل لا زال بحاجة إلى المزيد من الدعم والتوجيه الذي يشكّل إطار حماية لمنسوبيه من الكفاءات الوطنية من أنياب القطاع الخاص وضمان حقوقهم للحد من تسرّبهم إلى خارج المملكة بحثاً عن فرص أفضل ذات مردود مادي ومعنوي أكثر من الفرص المحلية التي لم ترض آمالهم. وحول أثر تسرّب الكفاءات الوطنية إلى الخارج بحثاً عن فرص وظيفية أفضل بيّن أن القوى البشرية تعدّ القوة المحركة للقطاع الخاص، وبلغة المحاسبة فإنها تعدّ ضمن أصول الشركات والمؤسسات، والدولة حين تقوم بابتعاث أبناء وبنات الوطن إلى الخارج لنهل العلوم المختلفة، وتتحمل كلفة هذه البرامج الباهظة فإنها تكون خاسرةً تماماً حين تفقد هذه الكفاءات الوطنية، بالإضافة إلى الآثار المترتبة على ذلك في مؤشر معدلات الإنتاج للعمال. وتابع إن معالجة هذه المشكلة تحتاج إلى وقفة حقيقية قبل أن تتحول إلى ظاهرة وتوعية الشباب بالبحث عن ذواتهم بداخل أرض الوطن، وتهيئة البيئة المناسبة لاستقطابهم. من جهته بين الاقتصادي الدكتور عبدالرحمن الصنيع عدداً من العوامل الواقفة خلف هجرة الكفاءات الوطنية إلى خارج حدود الوطن بحثاً عن فرص وظيفية أفضل، وهي هجرة رؤوس الأموال المحلية وضعف استقطاب الاستثمارات الخارجية للاستثمار بداخل المملكة خلال حقبة الثمانينات والتسعينات أثناء الطفرة والانتعاش الاقتصادي، حيث توجه عدد من رجال الأعمال إلى إنشاء المشاريع والاستثمار خارج المملكة ؛ نظراً لعدم بلورة بنود التشريعات التي توضح قوانين ولوائح الاستثمار الداخلي والخارجي، وبعد إصدار هذه القوانين وجد الكثير من رجال الأعمال أنها تحوي بنوداً غير مشجعة للاستثمار المحلي لا سيما الاجراءات البيروقراطية، وهو الأمر الذي دفعهم لتوجيه استثماراتهم إلى خارج المملكة وخصوصاً دول الخليج المجاورة كالإمارات وقطر والكويت والبحرين؛ لوجود البيئة الاستثمارية المحفزة والجاذبة. واستطرد قائلاً نجد في المقابل أن المملكة تتميز عن كثيرٍ من الدول الخليجية والعربية بالفرص الاستثمارية المميزة ؛ لمساحتها الكبيرة وتنوع تضاريسها ومناخها، وبالتالي تنوع الموارد الطبيعية فيها، بالإضافة لما تمتع به المملكة من موقع استراتيجي بين دول المنطقة وتوفر البنى التحتية والفوقية ووسائل النقل الجوي والبحري والبري ووسائل الاتصالات الحديثة، ولكن المشكلة تكمن في العوامل الطاردة للاستثمار من أجل الاستفادة من هذه المقومات والحفاظ على الكفاءات الوطنية من الهجرة إلى الخارج. وأضاف الصنيع إن ظاهرة هجرة رؤوس الأموال لا تكاد تنفك عن هجرة الشباب السعودي للعمل في الخارج لارتباطهما الوثيق في العوامل المسببة لذلك، فمنذ أن بدأ برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث وصل عدد الطلاب الذين تم ابتعاثهم في المجالات العلمية المتنوعة حتى الآن أكثر من أربعين ألف طالب وطالبة للولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا وكندا وفرنسا وماليزيا وغيرها، والمشكلة تتضح عقب عودتهم من برنامج الابتعاث في الصعوبة التي يلاقونها من أجل إيجاد الوظائف المناسبة لهم ولابد من التركيز على هذه المشكلة وبحث حلولها انطلاقاً من الاعتراف بالمشكلة التي تواجه سوق العمل، كما يجب توجيه الإنفاق الحكومي للمشاريع الصناعية تحديداً وتفعيل المدن الصناعية؛ من أجل إيجاد وظائف جديدة وبتخصصات تناسب الكفاءات الوطنية وتقوم باستقطابها.