تسارعت التطورات السياسية الإقليمية والدولية مع عاصفة الحزم العربية في اليمن التي غيّرت طبيعة التعامل مع الأزمات القديمة والحديثة والعالقة. ولا يمكن الإحاطة بكل ما يحدث من خلال متابعة ساحة من الساحات كما كان الحال خلال السنوات الماضية، لأنني أعتقد أنه زمن البانوراما السياسية، أي أن كل تفصيل يجب أن يكون جزءاً من مشهد متكامل. ونستطيع أن نقول إن عاصفة الحزم العربية أعادت الاعتبار للشخصية العربية وإرادتها في حماية هويتها ودولها ومجتمعاتها، بعد سنوات من الخواء الاستراتيجي جعلت الآخرين يتوغلون في الطموحات والأوهام. يحتاج المواطن العربي اليوم إلى نخبة تحدثه عن خارطة الأحداث السياسية التي تجري في كل المسارات، بعيدا عن الميدان اليومي وأخباره، لأن الناس أدمنت على الأخبار دون معرفة ما وراء الخبر وما قبل الخبر وما بعد الخبر. نحتاج إلى من هم قادرون على جمع الأحداث في مشهد واحد أو في مشاهد افتراضية متعددة تساعد الناس على ربط الأحداث السياسية والميدانية بعضها ببعض، احتراما للاهتمام الجاد للمواطنين العرب بأحداث بلادهم. نريد نخبة إعلامية تستطيع الربط بين زيارة الرئيس المصري إلى الرياض وتطورات اليمن وسورية والعراق وليبيا، مع زيارة الملك المغربي إلى الرياض في اليوم التالي، وعلاقة ذلك بلجنة القدس العالمية التي يرأسها، والقضية الليبية التي تستضيف بلاده في الصخيرات حوار أطرافها، والعلاقات العربية- الأوروبية، وذلك قبل زيارة الرئيس الفرنسي الاستثنائية إلى الرياض وحضوره قمة قادة مجلس التعاون الخليجي، وأيضا علاقة الرئيس الفرنسي بملف الدولة الفلسطينية وسعيه للدعوة إلى مؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط، وأيضاً علاقة فرنسا بلبنان، إضافة إلى ربط الزيارة الفرنسية بالقمة التي ستعقد في "كامب ديفيد" بين قادة الخليج والرئيس الأميركي وذلك تلبية للدعوة التي وجهها أوباما لقادة الخليج بعد عشرين دقيقة من الإعلان عن الاتفاق الإطاري بين إيران والخمسة زائد واحد في لوزان عشية عاصفة الحزم. إن هذه الزيارات وترابطها مع ما ذكرنا هي بعض ما يدور في هذه اللحظات، ولا يجوز أن نتعامل معها كأخبار منفصلة. إنها أجزاء من مشهد متكامل يصح أن نراه من زوايا مختلفة وخلفيات متعددة وبنتائج مغايرة، إلا أنّه مشهد واحد. كما من الضروري أن نفترض زيارة كل من الملك الأردني عبدالله الثاني إلى الرياض، وكذلك الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وربما المعارضة السورية، وأيضاً الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، وذلك لعلاقتهم بالقضية الفلسطينية والأزمة السورية. ما علاقة ما يحدث في بغداد بما يحدث في اليمن والتطورات الميدانية المتسارعة في سورية، من الشمال إلى الجنوب بالتزامن مع استقبال الولايات المتحدة الأميركية رئيس الائتلاف السوري المعارض في واشنطن والحديث عن مناطق آمنة؟ وما علاقة "عاصفة الحزم" بموقف الكونجرس الأميركي من عملية التسليح للعرب السنّة والأكراد مباشرة، أي التشكيك بالحكومة العراقية وردة الفعل من البرلمان العراقي بعد انسحاب العرب السنّة والأكراد من الاجتماع، وشعور العرب الشيعة أن هناك أمراً تغيّر ولم يعد من الممكن حكم العراق على قاعدة ما لنا لنا وما لكم لنا ولكم؟ وكذلك الأمر تسارُع التحاق قيادات حزب المؤتمر الشعبي اليمني بشرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي وتأييدهم للقرار الدولي 2216، ومعهم شرعيتهم البرلمانية بما هم الأكثرية البرلمانية؟ والاجتماع المرتقب في الرياض في منتصف مايو؟ كل ذلك التغيير في مجرى الأحداث متّصل بالمشهد السياسي العام، العربي والإقليمي والدولي. هنا نحتاج إلى نخبة تستطيع بناء المشاهد الافتراضية الواقعية التي تقوم على البحث العميق عن مصالح الأطراف ومتغيرات الأحداث وتقاطعات الأطراف والاتجاهات، لكي نتجاوز التعامل الحالي بين مؤيّد ومعارض، في الوقت الذي نحتاج فيه إلى خبير وناصح ومستشرف. وذلك بعد أن أدخلت عاصفة الحزم العربية المجتمعات العربية في اتجاه جديد مبني على احترام الذات وصناعة الأحداث والتغييرات، وخصوصا بعد أن اتضح أن هناك إرادة حقيقية لدى القيادات في مواجهة التحديات. إن وجود بانوراما متسلسلة ومباشرة هو أمر ضروري، وهناك محاولات جادة لدى الفضائيات العربية لاستحداث برامج جديدة. ولقد شاهدنا كثيرا منها لكنها لا تزال متواضعة التأثير، وهي دون الأخبار الأمنية والسياسية المتتابعة، من زيارات وتطورات ومواضيع. وأعتقد أنّ تلك الكفاءات يجب تكون ضمن برامج مباشرة مع الأحداث من أجل توسيع الرؤية بأسلوب بانورامي تخصصي، لأن التطورات التي أحدثتها "عاصفة الحزم" تركت أثرها على كل نواحي الحياة العامة والخاصة، وتحتاج إلى الكثير من الشرح والتفكير من أهل الاختصاص. إن ما نحتاجه الآن لمتابعة الرياض -عاصمة الحزم العربي وإعادة الأمل- هو بانورامات عربية ودولية وليس بانوراما واحدة على أهميتها.