من عدة حوارات أجريت مع الروائية التشيلية إيزابيل الليندي -من بينها الحوار الذي أجري معها في نوفمبر الماضي في إحدى القنوات الأمريكية على إثر تقليدها وسام الحرية الرئاسي في البيت الأبيض من قبل الرئيس الأمريكي باراك أوباما- اقتبس هذا الحديث لليندي عن الشاعر التشيلي الراحل بابلو نيرودا وذكرياتها معه، حيث تقول:" كان بابلو نيرودا ثاني فائز تشيلي بجائزة نوبل للآداب، في الشعر- كان الفائز التشيلي الأول بها هو غابرييلا ميسترال- وقد كان نيرودا معروفا في جميع أنحاء العالم، وقد ترجمت أشعاره إلى جميع أنحاء العالم. حصل على جائزة نوبل، وحينما مرض، عاد إلى تشيلي، إلى (إيسلانيجرا تحديدًا)؛ لأنه كان يريد أن يموت ويدفن هناك في منزله، حيث يقع قبره الآن. هنالك صخرة، وتحت تلك الصخرة قد دفن هو وزوجته". وتكمل الليندي :" زرته في (إيسلانيجرا) قبل الانقلاب العسكري عام 1973م بمدة قصيرة، كان يوما جميلا بالنسبة له. كان مستيقظا ويرتدي معطفا. تناولنا الغداء -الذي كان عبارة عن (كورفينا) رائعا وسمكا تشيليا ونبيذا أبيض -ثم قلت له :" هل يمكننا أن نبدأ المقابلة سيد بابلو؛ لأن الوقت قد تأخر، ويجب أن أعود إلى سانتياغو؟ فقال :أية مقابلة ؟. فقلت له: حسنا، لقد جئت لأجري مقابلة معك أجابني ب :"كلا . لن أجري معك أية مقابلة أبدا، أنت الصحفية الأسوأ في هذا البلد، إنك تكذبين دائما. لا يمكنك قول الحقيقة أبدا، إنك تحشرين أنفك في كل شيء، لا يمكنك أن تكوني موضوعية أبدا. أنا متأكد من أنك ستختلقين قصة، حتى لو لم يكن هناك أي شيء. لماذا لا تتجهين إلى الأدب؟ حيث ستصبح كل هذه العيوب مناقب". ثم تردف الليندي :" لقد كان محقا، لكن أخذ مني ذلك وقتا طويلا؛ لأن هذا الحدث كان قبل أحد عشر يوما من وفاته. كان في أغسطس من عام 1973م، أي قبل انقلاب العسكري بقليل. وقد كتبت كتابي الأول في عام 1981م، لذلك مر وقت طويل بعد هذا الحدث". ثم تتحدث الليندي عن وفاته قائلةً :"وفاة بابلو نيرودا كانت في 23 سبتمبر 1973م، تستحق أن تكون يوما وطنيا للحداد. تم تجاهل جنازته من قبل الديكتاتورية. تم تفتيش بيته في إيسلانيجرا من قبل العسكر، وحطمت قوات الأمن بيته في سانتياجو خلال عزائه. التف الناس على كلمة جنازته وتجمعوا لمرافقة جثمانه للمقبرة". وتكمل :"لقد توفي بعد الانقلاب بأحد عشر يوما. كانت أوقاتا مرعبة للأشخاص اليساريين. أعني كان كل الشيوعيين مهددين؛ لذلك إما تحولوا لشيء آخر أو حاولوا أن يغادروا البلد أو اختفوا أو اعتقلوا. كان من المفترض أن تكون جنازة وطنية. لو كان قد توفي قبل الانقلاب لعملت الدولة ثلاثة أيام للحداد عليه. لكن ذلك اليوم كان يوما ماطرا. أتذكره جيدا؛ لأنني كنت هناك. تجرأ القليل من الأشخاص وخرجوا واقتفوا جثمانه إلى المقبرة". وتتابع :"كان السفير السويدي -رجل طويل جدا ويرتدي معطفا أسود طويلا- من ضمن مشيعي الجنازة. واعتقدت أنه الوحيد؛ لأن العسكر كانوا برشاشاتهم على جانبي الطريق، فاعتقدت أنهم حتى لو أطلقوا النار فلن يقتلوا هذا الرجل.إنه سفير لذلك تشبثت بمعطفه ومشيت خلفه وأنا أدعو أن لا يحدث مكروه. وتستطرد :"بعد ذلك، وبمجرد أن تجاوزنا المبنى صاح أحد العمال. حينها اعتقدت أنه كان منفعلا جدا. هتف باسم بابلو نيرودا قائلا:"وانيروداه!"، وتنادى الجميع لصرخته . صرخ بعدها قائلا :"الرفيق سلفادور الليندي!". وصاح الجميع :"واسلفادوراه!". الشيء الذي فعلناه في تلك اللحظة كان يعني الموت. لذلك سرنا خلف هؤلاء الناس لا أعرف كم كان عددنا، ربما مائة وخمسين أو مائتين،لا أعرف. لقد كانت لحظة انفعالية جدا ". وتضيف :" كان من المستحيل إيقاف الناس عن تلاوة قصائد نيرودا الثورية أو ترديد شعارات وأغاني الاحتجاج، مثل موسيقى فيكتور جارا، الذي عُذّب وقتل في الأستاذ العالمي قبل أيام قليلة من الجنازة". وتنهي حديثها بقولها :" كان العسكر قلقين ومتوترين، لم يعرفوا ماذا سيعملون. كنت أرى أصابعهم على الزناد، ملامحهم متوترة. كان يوما ربيعيا جميلا وكلما اقتربنا من المقبرة انصب الناس من الشوارع المجاورة، يبكون ويغنون، ويحضن كل منهم الآخر، إننا في ذلك اليوم لم ندفن الشاعر فحسب، بل دفنا الليندي وجارا ومئات الضحايا الآخرين، دفنا ديموقراطيتنا وحريتنا".