سلفك لك .. وسلفي لي بقلم/ طارق عبد الله فقيه لم نعد ندري إن كان الانتشار الواسع لكاميرات التصوير وتوفرها السهل بيد الجميع كبارًا وصغارًا، ذكورًا وإناثًا، عقلاءً و مجانين أهو من النعم التي رزقنا بها في هذا العصر ؟! أو من جملة النقم التي بلينا فيها وما أكثرها؟ فلا يوجد هاتف محمول إلا وبه كاميرا تصوير، والغالبية العظمى من الناس تملك هواتف محمولة، وبالتالي فالجميع تحت مرمى عدسات التصوير، والكل مهيأ لأن يصور أو يتصور وعلى أي هيئة كانت . ولم يعد التصوير هواية يُمارسها عشاقها ومحترفوها فقط، بل أصبح الأمر متاحًا لأي إنسان، ويمارسه أيًا كان . وتوثيق لحظات الفرح والمرح بالصورة أو بالصوت والصورة، وتسجيل الأوقات السعيدة والمناظر الفريدة كل ذلك مما يساعد على المحافظة على سجل الذكريات بطريقة حديثة ومثيرة، وهذا حق لكل إنسان لا ينازعه أحد عليه، شريطة ألا يتجاوز استخدامه لحقه إلى التعدي على حقوق الآخرين، فليس لأحد الحق أن يصور إنسان دون علمه، ثم يقوم بالنشر دون إذنه . وكم من الصور التقطت على نظام السيلفي مع أشخاص كانوا يعانون من المرض ورهن التنويم في المستشفيات وبهيئات لم يرضوا ولن يقبلوا بالتصور فيها، ولكن المتطفل السعيد بكاميرا جواله لم يترك لهم فرصة ليقبلوا أو يرفضوا، وكل ما فعله أن وجه عدسة جهاز تصويره لنفسه مع الشخص الآخر والتقط صورة سيلفي كما يسمونها، دونما إحساس بمعاناة الآخر ومرضه . وهناك الكثير من الصور التي فضحت الأعراض، وفرقت الأسر، وقد تكون تسببت بأحداث مأساوية داخل العائلات، خاصة وقد انتشرت صور الفتيات التي يخفين فيها بعض ملامحهن أو يخفين أعينهن حتى لا يعرفن، وأحيانًا كثيرة يتم التعرف عليهن عن طريق صديقاتهن، ويقع لهن ما لا يحمد عقباه . ولو بقي الأمر بين الأحياء لهان الأمر، لكن التجاوزات وصلت للأموات وبدون وجه حق، فعدنا نرى البعض بلا أدنى مسؤولية يقوم بتصوير أحد أفراد الأسرة بعد وفاته وهو مسجى أو في ثياب الكفن، ولا أدري ما الغاية من مثل هذه الصورة التي تحمل ذكرى حزينة لا حاجة لاسترجاعها ؟ ومن الذي أذن له بتصويرها حتى وإن كان من قام بتصويرها أحد الورثة؟! فلا المتصور حي ليقبل أو يرفض التصوير، وليس للمصور أن يصور إلا بصك شرعي يحمل موافقة بقية الورثة على هذا السخف . وذات الأمر يتكرر في حوادث السير وغيرها من الحوادث، فلا قام من يعتقد أنه صاحب العدسة الرائعة بمساعدة المصابين ومحاولة إسعافهم، ولا هو كفاهم شره بتصويره لهم في وضع مأساوي ما بين نزف وألم واصابة؛ ليظفر بصورة مؤلمة تحرق قلوب الأهل والأحبة على أحبتهم عند مشاهدة تلك الصور، وقد تم تداولها بين الناس. وغدت آلة التصوير سلاح يشهره الآخرون في وجه كل من يقوم بعمله لمنعه أو تهديده، فشاهدنا مقاطع لرجال الأمن يقومون بأعمالهم ويصورون دون علمهم، ومقاطع للجان إزالة التعديات أثناء تنفيذها لمهامها، ومقاطع في المستشفيات وغيرها وقس على ذلك الكثير والكثير .. وآلة التصوير ليست شرًا محضًا ولا خيرًا في كل أحوالها؛ فقد أغنت أحيانًا الصور عن الكثير من الكلام والديباجات، وتحدثت الصورة وأبلغت في الحديث، فأهوال سجن أبو غريب كشفتها للعالم صور التقطها أحد المجندين، وبعض الممارسات العنيفة التي تقع في بعض أقسام الشرطة في بعض الدول أثناء التحقيق لانتزاع الاعترافات فضحتها عدسات بعض الرافضين لهذه السلوكيات . وقد شاهدنا في الأيام الماضية كيف استطاعت عدسة مصور عزل مسؤول حكومي، وكيف أعادت العدسة الحق لامرأة مظلومة . ولكننا نتساءل هل نحن بحاجة لتصوير كل الأخطاء والتجاوزات لمنعها واتخاذ قرارات حازمة تجاهها، وماذا عن صاحب حق لم ينجح في توثيق مظلمته بالصوت والصورة ؟! نحن ولا شك في حاجة لوعي مجتمعي لاستخدام الكاميرا بما لا يسطو على حقوق الآخرين ولا يعطل أجهزة الدولة عن أداء واجباتها، وبما لا يعطي صورة سلبية عن مجتمعنا، وقد نكون بحاجة أكبر لقوانين تنظم التصوير وتسمح به أو تمنعه حسب أهمية المكان، وأتمنى أن أشاهد يافطات في كثير من أجهزة الدولة المهمة تحمل عبارة: ممنوع التصوير، ويتم محاسبة كل من يخالف هذا الأمر سواءً من منسوبي الأجهزة أنفسهم أو من مراجعيها . حتى لا نصل لفوضى لا حدود لها، ويترك الحبل للتصويرعلى الغارب . ولن تعجز وزارة الداخلية في إيجاد جهة رقابية تتبع المقاطع التي تسيء لسمعة بلادنا ومجتمعنا، وتحمل الكثير من السخافات بعضها يحوي مضامين تخرج عن الذوق العام ويدفع بعضها للعنصرية والاستخفاف بالناس، وهي في مجملها لا تُمثل أخلاق أبناء هذه البلد ولا سلوكياتهم، وتعكس صورة غير حقيقية لمجتمعنا وتعطي أعداءنا الفرص للنيل منا بما جنته عدساتنا .