فيما تشدّد «منظمة الصحة العالميّة» على أن نسبة الولادات القيصريّة لا تتجاوز 15 في المئة من إجمالي الولادات عالميّاً، تشير الأرقام إلى أن تلك النسبة تجاوزت الـ44 في المئة في لبنان، ما يقارب ثلاثة أضعافها عالميّاً. ما الذي تقوله تلك الأرقام؟ صحيح أن الانخفاض المفرط (أقل من 5 في المئة) في الولادات القيصرية مؤشّر إلى تدني مستوى الخدمات الطبيّة المتّصلة بالأم والطفل، وفق رأي «منظمة الصحة العالميّة»، لكن ارتفاعها المفرط يبعث مخاوف عدّة. تحمل تلك الولادات، التي يفترض أنها لا تجرى إلا إذا تعذّرت الولادة الطبيعيّة بطريقة تحتّم التدخل جراحيّاً لإتمامها، مخاطر شتى على صحة الأم والطفل أيضاً. ويزيد القلق عالميّاً أيضاً حيال انتشار الميكروبات المقاومة للجراثيم في المستشفيات، خصوصاً غرف العمليات. هل كانت الأعداد الكبيرة من اللبنانيّات اللواتي تجرى لهن تلك العمليّة، على دراية كافية بمخاطرها على حياتهن وصحتهن، بل صحة ومستقبل أولادهن أيضاً؟ وثمة من يعتقد أن عدم خضوع نظام الرعاية الصحية في لبنان إلى سلطة واحدة، يساهم في «انفلات» العمليات القيصريّة من عقالها، وفق ما تشير إليه الأرقام الواردة أعلاه. وهناك من يعتقد أن المال يؤدي دوراً في تلك الظاهرة، بمعنى أن العملية القيصرية «تترجم» إلى أرقام أعلى للرعاية الطبيّة، خصوصاً أن المريضة تبقى يومين في المستشفى، ما يعود بمردود مالي على المستشفيات. ويرى آخرون أن بعض الأمهات لا يطقن معاناة آلام المخاض، فيفضلّن التخدير والعملية الجراحية عليها، بل أنهن بتن يخططن لها سلفاً، بدل أن تكون إجراءً طبيّاً منقذاً لحال طارئة. في المقابل، يؤدي الأمر إلى تضخم فاتورة الاستشفاء في الموازنة العامة للدولة. والأرجح أن المستشفيات ووزارة الصحة تستطيع الحدّ من تلك الظاهرة، عبر إجراءات يأتي في طليعتها نشر الوعي حول أهمية الولادة الطبيعيّة، ومخاطر عمليات الولادة القيصريّة، وتعزيز مفهوم أنها إجراء طبي يتخذ لمواجهة وضع طارئ وليست «بديلاً» من الولادة الطبيعيّة وغيرها. وتأتي في السياق عينه، ضرورة تعزيز نظام الرعاية الصحية الأوليّة، مع إعطاء دور أكبر لأطباء العيادات والمراكز الصحيّة، والولادات الطبيعيّة ودور القابلة القانونيّة وغيرها.