أشاد عدد من المثقفين بما صدر عن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز من قرارات تنبذ التعصب وترفضه، أيا كان مصدره، مستعيدين ما قاله، حفظه الله، في كلمته عند توليه زمام الملك (أنه لا يفرق بين منطقة ومنطقة ولا مواطن ومواطن، كون الجميع سواسية في ظل منظومة الحقوق والواجبات)، ووصف كتاب الملك سلمان بالنموذج الأول في التصدي للتعصب والحد منه، فيما تحفظ كتاب ومثقفون على ظاهرة التعصب المتفشية عند البعض، ويرى المفكر إبراهيم البليهي أن كشوف العلم ومسيرة التاريخ وحقائق الواقع في مختلف بقاع الأرض كلها تشهد بوضوح تام بأن المجتمع المكبل بالتعصب هو ضحية ظروف وأوضاع تاريخية وثقافية وسياسية كونه لا يتعمد التعصب بل إنه لا يعرف أنه متعصب ولا يعترف بأنه مغلول بهذا القيد الثقيل وإنما يتوهم أنه الأشد حرصا على الحقيقة والأكثر امتلاكا لها، وأضاف: التعصب كارثة على أهله قبل أن يكون عدوانا على غيرهم وانغلاق للعقل وانطماس للبصيرة وحجر على الذات ولكنه ليس اختيارا يختاره الفرد أو المجتمع وإنما ينشأ الناس في بيئة تقوم على التعصب لعرق أو قومية أو مذهب أو طائفة فيتربون عليه ويتبرمجون به ويصبحون أسرى له، لافتا إلى أن التنشئة تؤصل التعصب في نفوس الأفراد وينغرس في أعماق وجدانهم وتتشربه عقولهم وتتشكل به طبيعتهم فيصيرون معجونين به فكرا وعواطف وقيما وأخلاقا، مشيرا إلى أنه لا يمكن الخروج من التعصب من داخل النسق إلا بمؤثر طارئ وقوي من خارج النسق ينتزع المجتمع انتزاعا من قواقع التعصب ويخرج بهم إلى فضاءات الانفتاح وآفاق التسامح، ويرى البليهي أن مرضى التعصب سواء على مستوى الأفراد أو المجتمعات لا يعترفون بمرضهم بل يتوهمون أنهم الأكثر عافية، مشيرا إلى أن التعصب هو الأصل في كل الثقافات أما الانفتاح والتسامح والاعتراف بحق الاختلاف وإدراك نسبية الفهم البشري للحقائق فكلها إنجازات إنسانية طارئة لم تتوصل إليها البشرية إلا بعد قرون متطاولة من الغرق في الصراعات القومية والحروب الدينية والعرقية والطائفية والمذهبية والإثنية، داعياً إلى بيئة علمية ترحب بالشك المنهجي وتتقبل النقد وتحفز إلى تحري الحقيقة الموضوعية وتلتزم بها وتتحلى بالتواضع وتعترف بالنقص وترحب بكشف الخطأ ولا تستنكف من إعلانه والاعتراف به، كون التعصب يناهض العلم ويحارب التقدم ويعادي الحقيقة ويقاوم المبادرة الفردية ويستريب بالريادة المغايرة للمألوف ويخاف الأفكار الجديدة ويدين الشك ويرفض التساؤل وينبذ النقد ويوهم أهله بالكمال والامتياز ويملأهم بأوهام الاكتفاء والكمال، وحمل البليهي التعصب مسؤولية مسخ البشر وتعطيل عقولهم وإماتة ضمائرهم وفساد أخلاقهم ما يملأهم بالانفعال والاندفاع ويسلبهم قابلياتهم الإنسانية العظيمة ويحيلهم مخلوقات متفجرة بالكره مملوءة بالحقد طافحة بالتجهم زاخرة بالرعونة تنطلق طاقاتهم الهدامة كما تنطلق مياه الفيضانات الكاسحة لأن نفوسهم تغلي غليان البراكين فهي متهيئة دوماً للانفجار ومستعدة أبداً لقذف اللهب وإحراق الحياة والأحياء، مؤملا تحقيق قفزة ثقافية هائلة تتغير بها الرؤية العامة للأمة وتتبدل مكانة الفرد ومنظومة القيم وعلاقات السلطة وطريقة التفكير وأسلوب الحياة ونمط التعامل وتركيبة المجتمع ومكونات الثقافة. فيما أوضح الكاتب جاسر الجاسر أن للتعصب مغذيات اجتماعية وثقافية وتربوية وخطابية، مؤكداً أن المثقف شريك في التعصب بدرجة ما كون ما يصدر عن النخب من خلال مواقع التواصل يؤكد تشبع أفراد المجتمع بهذه الظاهرة المجرمة دوليا، مشيراً إلى أن حقبة الثمانينات أسهمت بخطابات الفرز في تعزيز التعصب وتأجيج حالات الاحتقان، مؤملا أن تتحمل وزارة الشؤون الإسلامية ووزارة التعليم مسؤولياتهما في تفكيك هذه الأزمة ومراقبة أداء منسوبيهما، مضيفاً أن نظام جرائم المعلومات يؤدي الغرض حاليا كونه تضمن تجريم أي تطاول على أي مواطن بأي دوافع أو منطلقات، سواء كانت قبيلية أم مذهبية أم مناطقية أم عنصرية، مشيرا إلى أنه خلال أسبوع كانت هناك إضاءات حاسمة وحازمة لكل ما يسيء إلى الوطن وكانت السرعة في القرار من دون إبطاء، ما يعني توجيها لكل المؤسسات بالتصرف مع المتعصبين وفق هذا المستوى، خصوصا إن وجد فيها من يتلاعب بالنسيج الوطني ظنا أنه آمن من العقاب أو أنه يفصل الوطنية على مزاجه ووفق تصوره، مؤملا أن تكون مناقشة الشورى للتعصب انطلاقا نحو توجه صارم يطال الأصوات التي اعتادت مثل هذه الممارسات، معولا في التغيير على الجامعات والهيئات والإدارات المسؤولة في شكل مباشر عن التحقق من أداء منسوبيها حتى في التغريدات إن كان فيها مساس بالوطن أو تعرض لأشخاص بذواتهم، ووصف الملك سلمان بنموذج التصدي الأول في المملكة لهذه الظاهرة وتحجيمها، ما يعني تأسيس وإعلان برنامج عمل تجاه كل الأصوات الناشزة التي تتصادم مع الوطن، وتسعى إلى خلخلة تماسكه ووحدته، داعياً إلى فعل وإرادة ومبادرة من كل جهة لضبط سلوك العاملين فيها والحد من التجاوزات قبل أن يصل إليهم حكم القضاء، ويؤكد مدير فرع وزارة الشؤون الإسلامية في منطقة الباحة فهيد البرقي أن التعصب مذموم ومحرم شرعا ومجرم نظاما وقضاء، موضحاً أن وزارة الشؤون الإسلامية توجه منسوبيها دوما نحو الرفق والخطاب المتسامح واللين والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والقدوة الطيبة دون تطاول على الأفراد أو المذاهب. فيما يرى المهندس جعفر الشايب أنه في ظل تصاعد النعرات العنصرية بمختلف أشكالها، بصورة تشكل تهديدا واقعيا للاستقرار المجتمعي، فإن المثقف يتحمل مسؤولية كبيرة في المساهمة في الوقوف أمام مثل هذه التوجهات والتوعية بأخطارها وأضرارها على الجميع. ومع الأسف فإن بعض المثقفين بساهمون بشكل أو بآخر في إثارة هذه النعرات العنصرية والترويج لها عبر تعميم الاتهامات والتشهير بفئات اجتماعية والتساهل في التخوين وازدراء جهات بعينها. ومن يقرأ صحافتنا المحلية أو يتابع التغريدات والتعليقات في وسائل التواصل الاجتماعي وبعض الحوارات في القنوات الفضائية يرى سيلا هائلا من التوصيف الذي يمكن أن يندرج تحت الخطاب ذي المضامين العنصرية.