×
محافظة مكة المكرمة

"البلديات": نوفر كل أشكال الدعم للأمانات لبرامج الإصحاح البيئي

صورة الخبر

لم تعد جريمة القتل تهزّ اللبنانيين أو تجعلهم يرتبكون للحظات عند الاستماع إلى التفاصيل المشينة. لم تعد عملية السرقة تستدعي حتّى التبليغ عنها لدى المراجع الأمنية، لأنّ الأخيرة لديها ما يكفي من القضايا العالقة التي لا تجد أجوبة لها في ظلّ الوضع الأمني القائم حالياً. فالتفجيرات المتنقلّة بين المناطق اللبنانية تطغى على كلّ المشهد المحلي، وهي تحجب الرؤية عن كلّ الانفلات الأمني الذي أصبح أمراً واقعاً يتعايش معه اللبنانيون يومياً. وفي لغة الأرقام، شهد لبنان 154 جريمة قتل منذ بداية عام 2013 وحتّى تموز (يوليو) الماضي، بحسب الأرقام الصادرة عن الجهات الأمنية الرسمية، و105 جرائم بعضها وقع إثر خلافات فردية وعائلية وضحاياها قتلوا إما طعناً بالسكاكين أو رمياً بالنار. جرائم السرقة تخطّت هي أيضاً كلّ الخطوط الحمر، فمنذ مطلع العام الحالي وحتّى نيسان (أبريل) الماضي، سجّلت القوى الأمنية 1386 عملية سرقة وسلب ونشل، وكانت النسبة الأكبر في محافظة جبل لبنان حيث حصلت 735 عملية، ثم محافظة بيروت بتسجيلها 206 عمليات، تليها المحافظات الأخرى. يُضاف إلى ذلك، عمليات الخطف التي كثرت أخيراً في مختلف المناطق اللبنانية، بعضها لطلب فدية مالية وبعضها الآخر لأسباب سياسية أو مجهولة. وبلغ عدد عمليات الخطف حتّى شباط (فبراير) الماضي 35.   تداخل السياسة والأمن وتؤكد الأرقام التي تنشرها المراجع الأمنية ما يشعر به المواطن اللبناني يومياً عند خروجه من منزله للتوجّه إلى عمله. ففي كلّ لحظة هناك إمكان لتعرّضه للأذى والعنف. وإذا كان محظوظاً ببعده عن الأماكن التي تقع فيها الانفجارات الضخمة التي تحصد عشرات القتلى والجرحى، فذلك لا يحسم أبداً وضعه الأمني وسلامته الشخصية. وحتّى لو كان في منزله وحاول إحاطة نفسه بكلّ سبل الوقاية، قد يفاجئه المجرمون بطريقة لا يتوقّعها. ويؤكد مصدر أمني فضّل عدم ذكر اسمه، أنّ «كلّ المناطق باتت مرتعاً للجرائم بسبب الحاجة المادية التي تدفع إلى السرقة، وبسبب الاكتظاظ السكّاني الذي زادت حدّته مع وجود أكثر من 700 ألف لاجئ سوري على الأراضي اللبنانية». وتجدر الإشـارة إلى أنّ نـسـبة الموقوفين السوريين هي 10 في المئة من مجموع السجناء في سجن رومية. ويلفت المصدر إلى أنّ «المشكلة الرئيسية تكمن في عدم وجود قرار سياسي للحدّ من الجرائم، خصوصاً أنّ هناك مجرمين محميين من زعماء سياسيين، ولا يمكن القوى الأمنية أن توقفهم أو تحقّق معهم». ويشير إلى وجود «عصابات ومافيات كبرى يزيد نفوذها يوماً بعد يوم، وإذا ألقي القبض على المنفّذين يبقى العقل المدبّر خارج السجن».   انعدام الرادع هل ما يحصل في لبنان اليوم على الصعيد الأمني مرتبط بالأزمـة الاقتصادية والأحوال المعيشية المتداخلة مع المشاكل السياسية المستمرة فقط؟ ترى الباحثة الاجتماعية مروى عمّار أنّ «ارتفاع عدد الجرائم ترتبط بالوضع العام في المنطقة العربية، إذ بات من المعتاد رؤية مشاهد القتل والدمّ والاغتصاب والسرقات، فذلك أصبح الخبز اليومي لآلاف المواطنين». وبحسب عمّار، «أصبحت الجريمة مبرّرة، فالخطف أو القتل لأسباب سياسية مثلاً يُعد أمراً اعتيادياً، ويدخل ضمن سياق تصفية الحسابات من دون أن يكون هناك رادع. وهذا ما يؤثر في سلوكيات المواطنين الذين يبرّر بعضهم لنفسه تنفيذ جريمة من دون القلق من وجود عقاب». وتلفت الباحثة إلى أنّ «الاضطرابات النفسية والعصبية التي يعانيها آلاف اللبنانيين تؤثر جداً في الوضع الأمني، وهي في تزايد مستمر بسبب الضغوط التي تحيط بالمواطنين يومياً لأنّهم يعيشون حرباً باردة أمنياً واقتصادياً. ومن الأدلة على ذلك، بلوغ نسبة استهلاك الأدوية المهدئة بين اللبنانيين 15.3 في المئة، بحسب منظّمة الصحّة العالمية، فيما المؤشر العالمي لتحديد أقصى نسبة استهلاك للمهدئات هو 5 في المئة». أمّا لجهة قضية اللاجئين ومدى تأثيرهم في ارتفاع نسبة الجريمة، فتشير عمّار إلى أنّ المشكلة واجهتها دول كثيرة حول العالم وليس لبنان وحده، «وذلك لأنّ ظروف اللجوء يمكن أن تؤمن مناخاً ملائماً للجرائم بسبب الفقر والعوز والشعور بعدم الاستقرار والانسلاخ عن الوطن الذي ينتمون إليه». وبوجود كلّ هذه العوامل المحفّزة لازدياد الجريمة في مختلف المناطق اللبنانية، يبقى الأمل بالحفاظ على أدنى القيم الإنسانية التي تحرّم العنف والقتل والسرقة... وغيرها من الجرائم، بعدما وصل لبنان إلى مرحلة أصبح فيها الرادع القانوني غير كافٍ أبداً لوقف مسلسل الجرائم.