أكّد وزير البترول والثروة المعدنية المهندس علي بن إبراهيم النعيمي، أن الطلب الآسيوي على النفط سيظل قويًا، وقال: «نحن على استعداد لتلبية جميع الاحتياجات، ومع تزايد أعداد السكان في قارة آسيا ونمو الطبقة الوسطى، سيزيد الطلب على الطاقة، وسيتم تلبية ذلك الطلب من خلال مجموعة متنامية من الإمدادات»، مؤكدا أنه سيقوم اليوم الأربعاء بافتتاح مركز الأبحاث والتطوير العائد لأرامكو السعودية في بكين. وقال المهندس النعيمي -في كلمة ألقاها أمس الثلاثاء في منتدى الطاقة في العاصمة الصينية بكين-: «كانت الصين تمر بمرحلة تحول، وكذلك كانت علاقتنا في مجال الطاقة. فمنذ 20 عاما، كانت أرامكو السعودية تصدّر كمية ضئيلة تبلغ 20 ألف برميل في اليوم من النفط إلى الصين. أما اليوم فنحن نصدّر إليها نحو مليون برميل في اليوم»، مشيرا إلى أن الزيارات التي قام بها القادة السياسيون وقادة الأعمال في البلدين، والتي جاءت تعبيرا عن عمق هذه الشراكة، حيث زار قادة الصين المملكة عدة مرات، كما كانت الصين أول دولة يزورها الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، -رحمه الله-، كما زارها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، -حفظه الله-، العام الماضي مع وفد ضخم. وأوضح أن المملكة حالها كحال الصين في أنها تقوم بإنجاز مهمة تاريخية تتمثل في التطور والنمو، حيث نتخذ في الوقت الحالي، خطوات لتنمية اقتصادنا، وإيجاد فرص العمل والارتقاء بمستوى معيشة مواطنينا، والطاقة عنصر أساسي في ذلك، وهناك أشياء كثيرة مشتركة تربط بين دولتينا. وأضاف النعيمي: «لولا إمدادات الطاقة الموثوقة، لما تمكّنت أي دولة من أن تضع قدميها على طريق الازدهار، فالطاقة تدفع عجلة الاقتصاد العالمي، وتنتشل البشر من براثن الفقر وترتقي بمستويات المعيشة، وتساعد في إيجاد عالم أفضل لأبنائنا وأحفادنا، والدليل على ذلك هو كل ما نراه حولنا». مؤكداً أن المملكة هي أكبر دولة مورِّدة للنفط في العالم، ولديها احتياطيات ضخمة، وسجلّ غير مسبوق في الموثوقية والاستمرارية والجودة، حيث استثمرنا مبالغ هائلة في الاحتفاظ بطاقة إنتاجية فائضة، هي التي ضمنت تلبية الاحتياجات العالمية من النفط مهما كانت التحديات، وليس هناك دولة تقاربنا في نهجنا المهني الذي يمكن الاعتماد عليه، فنحن دولة مستقرة تمتلك نظرة بعيدة المدى، مشيرا إلى أنه على مدى سنين طويلة، أثبتنا أننا شريك يمكن للصين الاعتماد عليه مع تنامي احتياجاتها من الطاقة، وسنظل على التزامنا بهذه الشراكة وهذه الصداقة. وقال النعيمي: «التنويع بالطاقة يخدم مصالحنا الاقتصادية الأساسية على المدى البعيد، ونحن نستثمر الوقت والمال والجهد لاتخاذ الخطوات الضرورية، لنصبح طرفا عالميا بارزا في مجال الطاقة الشمسية، فالطاقة الشمسية لا تعد مجدية اقتصاديًا فقط بالنسبة لنا، وإنما تخدم أيضًا غرضًا حيويًا فيما يخص المخاوف البيئية الحالية، وإنني لأعتقد بحق أنه بالإمكان -من خلال التعاون والاستثمار في الأبحاث والعلوم والتقنية- مواجهة مسائل المناخ العالمي بصورة تجمع بين العدل والفعالية». والنفط في الوقت الحالي وخلال المستقبل المنظور، سيظل أهم مصدر طاقة للعالم، وقال: لعلنا نجد في الصين وقارة آسيا، دليلًا على ما يمكن تحقيقه إذا سخرنا تلك الطاقة لإيجاد الأوضاع الموائمة لتحقيق التقدم. ومن منظورنا، يظل الطلب الآسيوي على النفط قويًا، ونحن على استعداد لتلبية جميع الاحتياجات، ومع تزايد أعداد السكان في قارة آسيا ونمو الطبقة الوسطى، سيزيد الطلب على الطاقة، وسيتم تلبية ذلك الطلب من خلال مجموعة متنامية من الإمدادات، وإنني لعلى ثقة من أن الدور الذي سيلعبه الغاز ومصادر الطاقة المتجددة سيظل دائمًا في زيادة. ومع ذلك، سيحتفظ النفط بمكانته الرائدة وستظل المملكة أكبر مورِّديه، ولا ينبغي أن نغفل هاتين الحقيقتين المهمتين، ولا أهمية العلاقة المتواصلة التي تجمع بيننا، فنحن جميعًا جزء من البر الآسيوي، وقد سبق لحضاراتنا العظيمة القديمة أن تبادلت التجارة وساندت بعضها البعض، وأدعو الله أن يستمر ذلك لفترة طويلة. ثم تحدث عن أحداث السوق البترولية التي شهدتها الشهور التسعة الماضية، وقال: «كان سعر النفط في شهر يونيه الماضي 115 دولارًا للبرميل، وكانت هذه الأسعار المرتفعة تُعزى إلى انتعاش الطلب فيما بعد عام 2008 - والأهم من ذلك- المخاوف الحقيقية والمتخيلة حول احتمالات انقطاع الإمدادات، وشجعت الأسعار المرتفعة الصناعة على الاستثمار، ونتيجة لذلك رأينا زيادة في إنتاج حقول نفطية يعتبر تطويرها وتشغيلها أكثر تكلفة مثل المنطقة القطبية ومناطق المياه العميقة وأنواع النفط الثقيل والنفط الصخري». وأضاف قائلا: «غير أنه فيما كانت الإمدادات تنمو بسرعة، كان نمو الطلب يتباطأ، بل وكان الطلب ينخفض في أوروبا، وأثرت كميات النفط الإضافية هذه على السوق عمومًا، وحدث الانهيار المحتم في سعر النفط، ليهبط خلال النصف الثاني من عام 2014 وأوائل عام 2015 بأكثر من 60%، وقد شهدنا انخفاضات مثل هذه قبل ذلك، فالنفط سلعة، وجميع السلع تشهد تقلبات دورية». وندرك انخفاض أسعار النفط هو أمر جيد للدول النامية في آسيا، كما أنه ليس في أن إمدادات الطاقة هذه، بأسعارها التي تُعد في متناول اليد، ستستخدم بصورة جيدة ومنتجة في مختلف أنحاء هذه المنطقة. مؤكداً أن هذا الانخفاض السعري السريع يشكل تحديًا صعبًا للعديد من المنتجين، مفيدا أن المملكة، رغم أنها تعتمد على ما يدرُّه عليها النفط من إيرادات، إلا أن الموقف فيها لم يتغير بصورة بالغة الأثر، لأن المملكة داومت خلال فترة ارتفاع الأسعار على ادخار الإيرادات واستثمارها بحكمة. والأمر المهم للمملكة، هو وجود سعر عادل للمنتجين والمستهلكين والصناعة على حد سواء، والمهم لها أيضًا الاستقرار، فالنفط مجال عمل يتسم ببعد المدى ويتطلب خططًا واستثمارات بعيدة المدى. والارتفاعات والانخفاضات المفاجئة في تكاليف النفط ليست أمرًا مستحبًا، وينبغي على جميع الدول، والمنتجين والمستهلكين، أن يتعاونوا معًا لضمان الشفافية والحد من التقلبات. ولعل القول أسهل من الفعل في هذا الصدد، غير أن من مصلحتنا أن نضمن استقرار الأسعار. وأضاف قائلا: «ليس ثمة شك في أن الصين قد قدمت مساعدة كبيرة في هذا الصدد في عام 2008، عندما بلغ سعر برميل النفط ذروته عند مستوى 147 دولارًا، حيث اجتمع القادة السياسيون وقادة الأعمال، بما فيهم القادة الصينيون، في ذلك الحين في جدة لتهدئة الأسواق. كما لا يوجد شك في أن إسهامات الصين في سياسات ودبلوماسية الطاقة العالمية هي دائمًا موضع ترحيب، نظرًا لمكانتها كواحدة من القوى العظمى في هذا العالم». وتحدث المهندس الوزير النعيمي، عن مجالات الشراكة المحتملة بين المملكة والصين في المستقبل، وقال: «كما أسلفت، فإنني أقوم بزيارات إلى الصين منذ نحو 25 سنة، وها هي أرامكو السعودية قد نقلت مقرها الآسيوي الرئيسي إلى بكين، فنحن ندرك أهمية الصين، وآسيا على وجه العموم، كما ندرك أن علاقتنا علاقة مفيدة للطرفين، مشيرا إلى أن فخامة الرئيس شيء، ألقى كلمة أمام المؤتمر الوزاري السادس لمنتدى التعاون بين الصين والدول العربية في بكين العام الماضي، تحدث فيها عن طريق الحرير الجديد، واقترح أن يتكاتف طرفا قارة آسيا، ويتعاونان في مجالات الطاقة والبنية التحتية والاستثمار والإنجازات التقنية في مجال الطاقة الجديدة. و أعتقد أن ذلك قد أصبح واقعًا بالفعل، فنحن لم يسبق لنا أبدًا أن تراجعنا عن التزامنا بتلبية الطلب الصيني، وسنظل حليفًا أهلًا للثقة في المستقبل، ومع أن هذه ما هي إلا مجرد كلمات، فإنني أعتقد أن أفعالنا على مدى العقدين الماضيين إنما هي دليل على التزامنا. وفازت الشركات الصينية بأعمال تبلغ قيمتها 25 بليون دولار في المملكة خلال السنوات الأخيرة، ونحن نشغل مصفاة مشروع مشترك في ينبع، ومصفاة مشروع مشترك ناجح في فيوجان، وهناك 160 شركة صينية تعمل في مختلف أنحاء المملكة في مجالات الإنشاءات والبنية التحتية والاتصالات والبتروكيماويات وغيرها، كما أن هناك نحو 1.200 طالب سعودي يدرسون في الصين، وأكثر من 600 طالب صيني يدرسون في المملكة. وأردف قائلا : «ويمكننا أيضًا أن نقوم بالمزيد من حيث التعاون في العلوم والأبحاث والتطوير، والمملكة تتخذ بالفعل خطوات إيجابية في هذا الصدد، حيث سأقوم بافتتاح مركز الأبحاث والتطوير العائد لأرامكو السعودية في بكين، وهذا أمر أتمنى أن يكون مثمرًا، وأن يكون علامة أخرى على ما يجمع بيننا على المدى البعيد من التزام وشراكة وتطلعات».