اليمن بالنسبة لي ليس فقط واحد من الاقطار العربية الذي تربطه ببلدنا علاقة الأخوة والصداقة، ولا يقتصر أمر تعلقي به لأنه بلد بلقيس ومهد أقدم الحضارات التي جاء ذكرها في الكتب السماوية، فإلى ذلك كله يضاف أيضاً كون اليمن بلد الزملاء والأصدقاء-وخصوصاً من الجنوب-الذين درست معهم وأكلت وشربت في السكن الجامعي مثلما سهرنا سوية في منتجعات الطلاب الصيفية. ولذلك فإن تدهور الأوضاع في هذا البلد العزيز لا بد وأن يكون قد أثر على العديد منهم والذي كان بعضهم وإلى الأمس القريب يتبوأ أعلى المناصب في حكومة الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي. ويخطئ من يعتقد إن تدهور الأحوال في اليمن جاءت نتيجة لما يسمى بالربيع أو الخريف العربي عام 2011-مع أن هذا الخريف قد لعب لعبته السيئة ليس فقط مع اليمن. بالعكس فإن الفوضى التي شهدها البلد الذي بني فيه السبئيون سد مأرب قد جاءت نتيجة استنفاذ على عبدالله صالح كافة الطاقة التي جاء بها عندما تنحى عبدالكريم العرشي عام 1978. فبعد 33 عاماً من الحكم بدد الرئيس السابق كل الآمال التي علقها عليه أبناء بلده وتحول في السنوات الأخيرة لحكمه إلى عبئ عليهم بدلاً من أن يكون عون لهم. لقد كانت الحصيلة الاقتصادية لحكم على عبدالله صالح استشراء الفساد السياسي والاقتصادي في اليمن. وبفضل ذلك صار 80% من واردات اليمن والتصنيع والتجهيز والمصارف والاتصالات والنقل عام 2011 بيد نفر قليل لا يتجاوز عددهم 10 أسر-كلها موالية للرئيس. وأدى هذا التسلط في ظل انعدام الرقابة إلى خروج 2,70 دولار مقابل كل دولار مساعدات كانت تحصل عليه اليمن. الأمر الذي قوض جهود غالبية المعونات المقدمة من الخارج. فهذه الطغمة الفاسدة التي صارت تأكل وحدها خيرات اليمن قد تركت وراءها بلد يطحنه البؤس ويعصره الفقر والجوع وانعدام الأمن. وتدهورت الأمور بشكل خطير بعد تقويض الحوثيين للسلطة الشرعية وتصاعد حدة الصراع القبلي الذي استفادت منه إيران لتوسيع نفوذها. وهكذا تفاقم الوضع وتردت حالة 60% من أبناء الشعب اليمني الذين أصبحوا يعيشون على فتات المعونات. أي أن هناك 14.7 مليونا يمنيا من إجمالي سكان البلد البالغ عددهم 25.8 مليون نسمة قد أصبحوا في حالة يرثى لها. ولذلك فإن إعادة الأمل التي أطلقتها المملكة تأتي في الوقت المناسب. وأعتقد أن مقومات نجاح المبادرة متوفرة خصوصاً إذا ما استوعبت كافة الأطراف اليمنية الدرس الذي أصبحوا شهود عليه منذ تدهور الأوضاع في بلدهم بعد احداث 2011. فإعادة الاستقرار إلى اليمن سوف يعتمد بشكل كبير على تمكن أهل اليمن من الجلوس سوية مع بعضهم البعض، وإن كان ذلك برعاية دول الجوار، وإطلاق عملية اصلاح شاملة يتم بموجبها إعادة هيكلة الاقتصاد والحياة السياسية. فالأمل كل الأمل معلق على إرادة هذا الشعب الطيب ورغبته في ترك التطاحن الذي أكل الأخضر واليابس والبدء، بمساعدة كافة البلدان الشقيقة والصديقة، بإعادة بناء بلده الذي دمره الصراع. فاليمنيون اليوم في أمس الحاجة للتحلي بما قاله عنهم نبي الأمة: الإيمان يماني والحكمة يمانية.