بالأمس، صدر تقرير عن هيئة مكافحة الفساد أعلنت فيه أن أهم أسباب تعثر المشاريع هي: «الفساد المحسوبية، غياب التخطيط، وعدم وضوح الرؤية»، والتي شكلت نسبة 44 في المائة، فما بالكم بالفساد والمحسوبية في إنجاز الإجراءات وتعثرها بسبب المزاجية والفوقية وإطالة سلسلة الروتين. عجبي على قطاعات يحدث فيها هذا النوع من الممارسات جهارا نهارا، بل إن هناك موظفين يحولون بتعاملاتهم مواقعهم الوظيفية إلى ممتلكات خاصة، يصدرون فيها تعليمات وإجراءات مخالفة للأنظمة المرعية، لمجرد أنهم مزاجيون لا يمكن تعديل مزاجيتهم بإفطار صباحي أو «فركة للقهوة»، يستقطعونه من وقت المراجع، وتنجز المعاملات ولكن بالروتين والمحسوبية!!. في الماضي، كان أكثر ما يزعج المراجعين للقطاعات الخدمية، الانتظار في الطوابير أمام شبابيك أو صالات الخدمة، ومع دخول التقنية الحديثة تبدل الحال جزئيا، وبات المزعج لهم هو مزاجية بعض الموظفين، والتي يقحمونها في إنجاز المعاملات وتعطيل مصالح الناس. هذا السلوك المشين، يتكرر كثيرا في بعض المواقع الحكومية التي يرتادها المراجعون في ظل الاعتماد عليهم من قبل رؤسائهم الذين لا يكلفون على أنفسهم بمراقبة سير العمل ميدانيا ويكتفون بالتواجد في مكاتبهم الفارهة للأسف الشديد. وبين هذا وذاك، استحدثت بعض الأجهزة الخدمية أنظمة تقنية عبر مواقعها الإلكترونية تمكن المراجعين من إنجاز معاملاتهم إلكترونيا؛ بهدف التيسير على المراجعين وتخفيف الضغط في صالات خدمات العملاء، بينما البعض الآخر ما زالت تراوح مكانها مع الروتين والمعاملات الورقية التي تربك سير العمل وتؤخر الإنجاز. هذا الكلام، لا أقوله جزافا، بل لواقع لمسته من خلال مراجعة قطاعات خدمية مرتبطة مع بعضها البعض في إجراءات تكاملية، ويبدو أن لكل إدارة منهجيتها في الإنجاز، على رأي المثل العامي: «كل شيخ وله طريقة»، ففي الإدارة الأولى يضطر المراجع للحضور المبكر للحصول على موعد مع الموظف المبجل الذي سيغادر عمله ويكتفي بأخذ أرقام هواتف المراجعين، ومن ثم الاتصال بهم بعد تناوله لوجبة الإفطار وحتما ستتحول إلى زبون دائم (مراجع يومي له) لإنجاز طلبك، الذي لا يستغرق إنجازه يوما واحدا في الوضع السوي وتحال لإدارة ثانية، وفيها ستعاني الأمرين بداخلها للحصول على الخدمة المطلوبة، وكل هذا يحدث لأنك مواطن نظامي!!. في المقابل، ستجد أن حفنة من العمالة الوافدة يزاولون أنشطة تجارية بدون تصاريح نظامية، وما يدعو للغرابة أن الجهة التي تمنح المراجعين النظاميين التصاريح يعمدون في تطبيق النظام الكامل على طالب التصريح دون النظر في جيرانه المخالفين، ولو استشهدت بهم لوجدت الرد: «خلك في حالك»، وكمل أوراقك وكل إدارة خدمية تتنصل من مسؤولياتها المشتركة في صورة مخجلة لغياب التنسيق والتنظيم بين هذه الجهات. يموت الضمير لدى البعض ممن يعتقدون أن تعطيل مصالح الناس سمة لإبراز الشخصية، متناسين أنهم إنما وجدوا لخدمة المراجعين فالمواطن أولا.. وللأسف هناك من يعامل المراجعين بفوقية، وعلى النقيض تتغير معاملته لو شكوته لرئيسه، إذ تجده يتبدل وتتغير المعاملة والأسلوب، وقد يصل به إلى دعوتك للإفطار معه في صباح اليوم التالي. يذكرني أحد الأصدقاء بمقولة: «باب النجار مخلوع»، عندما وجد أن قسما معنيا بالسلامة في إحدى الجهات هو نفسه لا يطبق معايير السلامة في داخل المنشأة، ولا يكلف القائمين عليه أنفسهم بالنزول والتفتيش، مكتفين بالعمل المكتبي ونهر المراجعين!! مثل هؤلاء الموظفين عبء على الدولة والمواطن، وهم بحاجة إلى دورات في فن علاقات الجمهور أو استبدالهم بمؤهلين، وأجزم أن هيئة مكافحة الفساد لو ضمنت في جولاتها بعض الإجراءات التي تعنى بعلاقات الجمهور وتقصت الروتين الطويل والمدد المقررة لإنجاز المعاملات لاكتشفت حجم الفساد والمحسوبية ولارتفعت النسبة في هذا النوع من الأداء عن تلك النسب التي رصدتها في تعثر المشاريع.