كِدتُ أن أنسى (جبل القارة) الذي يقع في الأحساء، لولا أن كتبت إحدى الصحف خبرًا تحت عنوان (جبل القارة يجذب أكثر من 15 ألف مقيم أول وثاني أيام العيد). أتذكر هذا المكان جيدًا عندما زرته وعمري لا يتجاوز خمس سنوات؛ كان من أكثر الأماكن إبهارًا التي عَلِقت بذاكرة تلك الطفلة الصغيرة لزمنٍ طويل، أتذكر مداخله المرتفعة إلى حيث المغارة، وأشكال صخوره المبهرة، وإطلالته على واحة الأحساء التي تحفها تلك النخيل الباسقة ذات اللون الأخضر المبهج. لو سألنا أي شخص من الجيل الحديث عن جبل القارة وعن مغارة جعيتا اللبنانية سنجده - بلا شك - يعرف الكثير عن الثانية، ولا يعرف أي شيء عن القارة سوى إن كان قد يتذكر شيئاً مما درس في كتب الجغرافيا! إن هذه المقارنة التي لن تكون في صالح جبل القارة هي بحق مؤسفة؛ فنحن لدينا هذا الموقع العجيب بإبداعٍ رباني، الذي يتضمن في داخله كثيراً من العجائب ما بين المناخ الذي يُعاكس مناخ المدينة الخارجي، أو التكوينات الصخرية التي تتشكل وتتبدل كل منها في حكاية تاريخية، لا تقل عن المعالم التي يفخر بها أصحابها في الدول المجاورة، إن لم يكن جبل القارة متفوقًا عليها! لكن يبقى هذا المكان التاريخي يشكو حزينًا من الإهمال، فكيف يكون في بلدنا هذا المكان ولا يُستثمر سياحيًا ليجذب على الأقل أهل هذا البلد، ولاحظوا في الخبر المنشور الذي ذكرت عنوانه أعلاه، أن الجذب حدث لـ15 ألف مقيم، وأنا شخصيًا أشكرهم؛ لأنهم شعروا بأهمية هذا المَعْلم؛ وقاموا بزيارته، بينما نحن لا نزوره، والإهمال ليس منا وحدنا بل من ثقافتنا التي لا تهتم بالمعالم التاريخية. وفي هذا السياق، أتذكر عدداً من الحوارات التي تدور بعد عودة الأقارب أو الصديقات من السفر، أو ما ينشر في الصحف والإنترنت، فنجد حديثهم عن الدول التي زاروها لا يتجاوز مناطق التسوُّق ومناطق الترفيه، وهذا مؤشر إلى أن ثقافة المعالم التاريخية تكاد تكون معدومة في مجتمعنا، وانعدام هذه الثقافة تتحمل مسؤوليته المؤسسات الحكومية، وعلى رأسها الهيئة العليا للسياحة؛ إذ إن الاهتمام بالسياحة لا يأخذ جانبًا واحدًا فقط، بل هو منظومة متكاملة، لا بد أن تبدأ بغرس مفهوم الأثر التاريخي وأهميته كامتداد للمستقبل، وهذا ما تجهله ثقافتنا! عندما أطالب الهيئة العليا للسياحة بالاهتمام بجبل القارة كمَعْلم تاريخي، ودعوة المستثمرين ورجال الأعمال لبناء المطاعم والمقاهي والفنادق، فهذا كله لن يحقق لهم ربحًا طالما ثقافة المعالم التاريخية شبه معدومة، وإن كان الناس يبحثون عن الترفيه فما الذي يمنع أن يرافق المعالم التاريخية مواقع للترفيه لجذبهم لها؟ الأمر الآخر: نجد الدول الأخرى تهتم بمعالمها التاريخية عالميًا، ولن أخرج بمقارنتي أو بطرح مثال آخر عن مغارة جعيتا؛ إذ قاتل اللبنانيون على أن تدخل ضمن عجائب الدنيا السبع الجديدة، وإن كانت خسرت في تلك المسابقة، فقد ربحت بالترويج الإعلامي الذي وصل إلى الناس، وذهبوا لها، ووجدوا فيها يومًا مليئًا بالمتعة والفائدة. أما جبل القارة الهدية الربانية التي لم نعرف قيمتها بعد فما نحن له فاعلون؟ www.salmogren.net