* لست مع الذين ينظرون إلى مجمل الوضع في المنطقة العربية بتشاؤم كبير.. لسببين اثنين هما: * أولاً: ان هذا الشعور قد ولَّد إحساساً بالقلق والخوف وربما الهلع عند معظم الناس. * وثانياً: ان هذا الخوف وذلك الهلع قد عطل الكثير من الأعمال والخطوات والبرامج وضخ المزيد من الأموال والتوسع في الاستثمار في منطقتنا العربية بكاملها. * ليس هذا فحسب.. * بل ان البعض هرَّب وسرَّب بعض أمواله ومدخراته إلى خارج هذه الأوطان.. ليس فقط من أجل توفير الأمان الكافي لها.. وإنما من أجل أن يرحل إلى تلك الأوطان ويعيش فيها وكأنَّ الوطن لا يعنيه.. وكأنَّ حياته ومصالحه فقط هي التي يجب أن يرعاها ويحافظ عليها.. * هذه الحقيقة المؤلمة.. يجب الاعتراف بها.. وتفهمها وإدراك جميع أبعادها.. ونتائجها.. * لكن هذه الحالة وإن كانت سيئة.. ومؤلمة.. وخطيرة.. إلا أنها في نظري هي بداية الإصلاح ومعالجة الأوضاع المختلة.. والتعامل معها بواقعية وموضوعية.. بدل النظر - فقط - إليها بسلبية مطلقة ودون تلمس للمشكلات وسعي إلى الحلول العملية.. واستئصال المفاسد من جذورها.. * لذلك قلت - في البداية - إنني لست متشائماً.. بل العكس.. لأن الحال الذي وصلت إليه الأمة.. مدعاة للتوقف.. ومحاسبة النفس.. والبحث الجاد عن الأسباب ومصادر الضعف.. وإعادة بناء القوة القادرة على صناعة المستقبل الأفضل.. * وما حدث من تحولات إيجابية وكبيرة في منطقتنا في الآونة الأخيرة.. بإطلاق عاصفة الحزم.. ثم بعقد قمة عربية ناجحة في شرم الشيخ تولَّد عنها قرار بناء القوة الذاتية القادرة على مواجهة الأخطار تفعيلاً لاتفاقية الدفاع المشترك المعطلة.. هو بداية الطريق إلى المستقبل الجديد والمنشود بكل تأكيد.. * صحيح أن مفهوم القوة قد ارتبط - تأريخياً - بتعزيز القدرة العسكرية للدول والتكتلات السياسية باعتبار أن القوة تمثل مصدر الحماية والردع للعدو ومنع الأخطار.. * لكن القوة الحقيقية في زمننا الحاضر أصبحت تتمثل في الآتي: (1) مستوى ودرجة التلاحم بين الدول والشعوب من داخلها.. عبر سلسلة من الخطط والبرامج والتوجهات لخلق حالة من الشراكة الوجدانية والفكرية العامة تؤدي إلى التوحد والالتفاف حول بعضهم البعض.. تقوم على نشر العدالة وتنمية الشعور بقيمة الوطن وأهمية الانسجام الفكري والتطهر من لوثات الفساد والتخلف والطبقية. (2) تقوية وتعزيز البنية الاقتصادية وتحويل الأوطان إلى بيئة عمل مُنتجة وفعالة توظيفاً للمال العام على نحو صحيح ومثمر يشارك القطاعان الخاص والعام بجهود تكاملية حقيقية وبناءة.. ويستفيد منها المواطن في النهاية وتنعكس على مجمل حياته. (3) استثمار المعطيين السابقين في بناء قدرات أمنية محكمة وغير قابلة للاختراق والاهتزاز بالإضافة إلى استمرار العمل على تقوية وتطوير المؤسسة العسكرية أيضاً.. * مفهوم القوة بهذه الصورة هو الذي نطبق نموذجه الآن في بلادنا.. ولا أستبعد أن يُصبح ملمحاً رئيسياً لملامح المرحلة القادمة في إعادة بناء دول المنطقة ومجتمعاتها.. * وذلك هو ما يدعوني إلى التفاؤل بالمستقبل القريب.. وليس البعيد. * ضمير مستتر: * (كل البدايات تكون ضعيفة.. لكنها تنجح - في النهاية - بإرادة الأقوياء).